كان يجب علينا أن نتشكل حسبما كنا نعيش؛ فالحياة تنحت الصخر على مَرّ الزمن، ألا تنحتنا نحن البشر اللينين؟!
يمرُّ بنا ما يمرُّ بالكون من عوامل وظروف وطبيعة.. شيء يموت، وشيء يتبدل، وشيء يُثمر.
ثم يمرُّ بنا أيضاً ما يجعلنا ننضج في وقت قد يكون فات الأوان به على النضج، أو وقت مبكر جداً على ذلك.
وفي كلتا الحالتين لقد تعلمت أن النضج ليس مرتبطاً بعمر معين..
قد ينضج الإنسان من موقف، ومن سفر، ومن مرض، ومن فَقْد، ومن تجربة، ومن فشل، ومن فقر ومن حُب..
ماذا يعني حبٌ ينضج بك..؟!
يعني أن يرسم لك الطريق بألوان العبور والتوقف،
ويحدد لك الأرض بقوانين العرض والطول،
ويُنقط لك السماء نجوماً ومواقيت.
ويخبرك بمواسم المطر، وأنواع الطيور، وفصول السنة..
يعني أن تتعلم متى تتكلم؟!
ومتى تصمت؟!
ومتى على الكلمات أن تموت؟!
أن تعرف الخطأ لمجرد المعرفة، والصحيح لأنه صحيح..
تنضج بالحُب..!!
يعني أن تكبر عشرين عاماً على عمرك، ويكون مظهرك أصغر.
أن تكون أغنياتك دون صخب، وشعراؤك شعراء مخضرمين..
وتكون أناقتك فاتنةً بحشمة، ومحشومةً بفتنة.
أن تُحب أن تكون كما تُحب دائماً في أعين البشر،
متزناً، واعياً، وممكناً بحدود..
أن تنضج بالحب يعني أننا مكثنا عمراً دون نضج، وفعل الحب ما لم يفعلهُ العُمر بنا..
أشخاص يمرون بقسوة الوقت من خلالنا، ينقرون بنا نقر الطائر المزعج، يثقبون ألواح نفوسنا، وينثرون الندبات مشوهةً أجسادنا منهم!!
وآخرون يمرون فيمكثون مكث الماء في صدورنا، يتأرجحُ برداً وسلاماً..
ديباجٌ.. كُنتَ في حياتي باطنهُ وداخلهُ حريرًا ناعمًا لينًا، يكسو ضيقي وسعة صدري كساءً لا ينضح.
عُريتُ من الحزن سنوات، واجتزت العُمر بأيامه دون عويل.. حتى انجلاء ذاك العراء بك..
ديباجٌ.. أنت ملمسك طيب، ومنظرك طيب، وكلامك طيب ووجودك جدير..
يحول كلامك بيني وبين القسوة..
ورؤيتك بيني وبين الخيبات..
وصدقك بيني وبين المتاهات..
ديباجٌ.. لم يغطِ وقتي القاسي وحسب بل كان ملمساً بلسماً طيباً عظيماً، يضفي الحب على الكره، والاكتفاء على الفراغ، والثبات على الفزع..
يلفني في كنف طيبته، ويلفلفُ فزع قلبي بنعومته
وقيمته..
لكل منا ديباجُ قلب يكسو بهِ عُري الدنيا،
وبلاء الزمن، ورداءة الحظ.. وسوء المنقلب..
شيء قيِّم ينقذنا من القسوة بنعومته كلما احتجنا..!!
** **
- شروق سعد العبدان