بداية سأتطرق في ملامحي وممالحي هذه إلى جملة من النظريات التي سأدلف بها الملامح:
الحقيقة أن هذه النظريات سُقْتُها تباعاً لأنطلق بعدها إلى فضاءات القراءة والتحليل حول الشِعْر والنثر وما بينهما من فتات القوافي ولكن بشكل ما بين التكثيف والتوسّع إلى حدٍ ما وهذا ما يتطلبه من حديثٍ يطول في مدى الرضا النقدي حولها ... وسأنتصر للشِعْر ولـ يسامحني صديقي النثر!
«نظرية الكل والجزء»
يقولون في علم المنطق: ما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء
ويقول «ريس و أوفيرتون,1970»: «إن طبيعة الكل, بدلاً من مجموع أجزائه، تستلزم وجود الأجزاء بالضرورة بحيث يشكل الكل أساساً لمعنى هذه الأجزاء.» ومن مبادئ نظرية جشتلت:
«تستخدم الطريقة الكلية في التعبير الفني نجد الكل يسبق الجزء، والإدراك الكلي يؤثِّر في تكوين الصورة الجمالية للشيء فالرسم يعتمد على رسم الهيكل ثم توضيح التفاصيل والأجزاء بالتدريج».
هذه النظريات بدءاً من علماء المنطق إلى نظريات التعلّم والفن تسير في اتجاهات مختلفة مختصرها هي: نظرية الكلية وتتبعها الجزئيات وصولاً إلى القمة في الطبيعة وكما جاء في مبادئ نظرية جشتلت أما في الأدب وتحديداً الشعر تسير وفق هذه النظريات فعندما يتصدى لها الشاعر بن خفاجة الأندلسي واصفاً جبلاً يبتدئ بالكلية وهو «وصف الجبل» ثم تتأتي الجزئيات تتابعاً حتى تصل إلى مقارنتها بالشيخ الوقور في الصحراء فالجبل الموصوف ومن جزئياته الريح والليل والتشبيه بالشيخ الحكيم .... إذا هو أهتم بداهة بالكلية «الجبل» ثم أتى بحيثياتها تترى وتعاقباً بالجزئيات فييقول ابن خفاجه في مطلعها:
وأرعنَ طمّاحِ الذُؤابةِ بَاذخٍ
يُطاولُ أعنانَ السماءِ بغاربِ
يَسدُّ مهبَّ الريحِ من كلّ وجهةٍ
ويزحمُ ليلاً شُهبهُ بالمناكب ِ
وقُورٍ على ظَهرِ الفلاةِ كأنهُ
طوالَ الليالي مُفكِرٌ بالعواقِبِ
- والسؤال الآن من يسبق الشِعْر أم النثر بمعنى -أيها المتلقي الذكي- مَنْ الكل ومَنْ الجزء ، وهل يلتقيان أصلاً غير اجتماعهما لغوياً، هل يطلق لكل منهما الآخر، يخلع هذا قميصه ويعطيه الآخر، أم يبقى العمودي كلاسيكياً أم الطبيعي بتطوّر، أم يدخلان في عباءة واحدة؟
مقارباتات
في معرض دفاعه عن الأدب والفن ضد اتهامات أستاذه أفلاطون يقول «أرسطو طاليس» في كتاب الشعر الفصل التاسع:
(هو يفضل المستحيل في الشعر المتوقع على الممكن الغير متوقع ويقول أيضاً: إن الأنماط يجب ألا تكون على أساس ما هي عليه في الطبيعة ... أي لا يكون النمط هو ما نراه أو نعرفه في الحياة)
إذاً (الشِعْر) هو فلسفة وإبداع، ولعبة جمالية وعقلية متقنة، مضطربة، حالمة في ألا وعي لتصنع حالة وهالة تطير إلى الغيمات لتُسْقِط نثراً وردياً وشِعْراً عطرياً..
وكذلك هو مجموعة من الأفكار والقيم والعادات، هو حالة ثقافية مهمة في مجتمع من المجتمعات، هو الغوص في بحر القوافي واستخراج جواهر الكلمات وصدف الحروف، هو النور الذي يقتبس منه قناديل الفرح وأوّه إذا حزن!
(الشِعْر) حالة سيكوجية يتقنها الفنان الشاعر يسطّر فيها صفاء نفس، ومرآة الهَمْس في واقع تستجليه من إضمامته، وتجعل القارئ والمتذوق والناقد يقف مشدوها لبوحه ونوحه.
(الشِعْر) قامة سامقة كالنخلة تتساقط على الآخرين رطباً جنيا، هو عجينة ملساء يشكلها الفنان الشاعر كيفما يشاء!
من يحقق الغاية يبسط لها مشروعية الوسائل، هو (الشعر) إذن غايته تحقق الوسيلة ومَنْ غير الشعراء الشباب يستخلص كل ما ذكرت آنفاً؟!
من يحتدم صدور القوافي غيرهم، ويلثم الشعر وشاحاً من بياض؟ دعوني من هرطقات القاعات وما يدور فيها من يباس الحروف، نفاذ القيم الجمالية في الشعر قد يكون من بينهم من يحمل أنوار البراءة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا من يزيل آثار الجريمة (في تناولهم للشِعْر)» إذا بتنا أو صحونا على هل قصيدة النثر شِعْر؟!
المنهج النقدي في الشِعْر حسب وجهة نظري:
النص إذا نشر ليس مُلْكاً لصاحبة كما قال بارت في نظرية موت المؤلف
كتابة الرأي النقدي حسب نظرياته وليس نصاً مجرد كلمات رصّت على شكل قافية ووزن!
هناك الحالة الشاعرية الشعورية وليس الشِعْر المنظّم الذي بلا روح!
ثق بمن ينصحك لا من يجاملك
وعلى فكرة مهما بلغنا من سنين في الكتابة كل قصيدة لها ولادتها وصباها وعنفوانها..
الإبداع لا حدود له ولا يقاس بزمن
مهمة الناقد في النقد:
ألا يجامل عندها فقط رضي من رضي وغضب من غضب بمعنى أدق:
شاء من شاء ورضي من رضي
الختام
هي أمطار العاشقين تسلّلت إلى يدي فنثرتها مع الريح وشجيرات يابسة تسقيها لوعة الذكرى وريح الفراق على موج يخالج الروح ليسكن القرى فكتبت بعيداً عن فتات القوافي وحاولتُ جاهداً تتبّع الفنين شِعْراً ونثرا.
القادم..
ثقافة النسخ واللصق بين الهوايات والكفايات
** **
- علي الزهراني (السعلي)