المستوى الذي تعكسه ثقافة أمة من الأمم، هو بالضرورة انعكاس لمدى ما تتمتع به تلك الثقافة من حيوية وتفاعل وفاعلية، عبر مستويين، الأول: على مستوى الثقافة نفسها، أما الآخر فعلى مستوى خارطة ثقافات العالم، ما زاد من اهتمام مراكز الدراسات والبحوث خلال العقدين الأخرين تحديداً، بتكثف دراساتها الميدانية المسحية، ودراسات استطلاع الرأي، التي تعنى بدراسات الظواهر الثقافية، إذ كان من أوائل وأبرز المنظرين لها ألبرت مارشال ماكلوهان، منذ مطلع الخمسينيات، التي جاء منها كتابه «مجرة قونتبرج»، وآخر بعنوان: «الحرب والسلام في القرية العالمية»، خلال الستينيات الميلادية.
وباتفاق علماء الإعلام والاتصال والسياسية والاجتماع، وغيرهم من الباحثين في العلوم الإنسانية، بأن القوى (الناعمة)، ورثت بامتياز وفاعلية القوى (الصلبة)، إلا أن المهتمين بالدراسات الثقافية الحديثة، توصلوا إلى أن هناك قوى (باردة)، تمكنت بديناميكيتها الميكانيكية التي لا تكل ولا تمل، ولما لها من الذكاءات الاصطناعية التي تسلّل تأثيرها إلى ذكاء الإنسان وحواسه، ما جعل من كل وسيلة رسالة، ومن كل حالة صلبة، حالات أخرى متعددة بتعدد أفكار الإنتاج، وقنوات التسويق، ومنافذ التوزيع الثقافي، وهذا ما يشرح - على سبيل المثال - جوانب ثقافية منه، زيجمونت باومان، في مؤلفات: «الحياة السائلة»، «المراقبة السائلة»، «الأزمنة السائلة»، وغيرها من المؤلفات التي استشرفت فجوات وحاجات ثقافية، بمثابة مساحات ثقافية ذات قيم إضافية غير مستثمرة.
لقد أصبحت بينيات الثقافة في عموم الثقافات مساحات خصبة للاستثمار، الذي يتخلل ببرودة مكوناته نعومة فنون الثقافة الرائجة، ما جعل من رؤية المملكة 2030م فيما يخص الثقافة، ضمن مسيرة التحول الوطني، مترجماً في ستة عشر قطاعاً، لنجد من بينيات ثقافتنا الذي وضعته الوزارة: الأزياء، الطعام وفنون الطهي، الموسيقى، الفنون الأدائية.. ما جعل من التنوع الثقافي للمملكة، وخصوبة بنياته وبينياته الثقافية، مناجم اقتصاديات ثقافية مستدامة.
* في زمن اقتصاديات المعرفة.. لا أثر، ولا تأثير لبضاعة مزجاة!
** **
- محمد المرزوقي