تهدف هذه المقالة إلى تتبّع أوليّة إطلاق المقابل العربيّ لمصطلح (Linguistics) وهو اللسانيّات؛ لكي نعلم متى ظهر على وجه التقريب؟.. وهل ظهوره مرتبط بالدراسات اللسانيّة في المغرب العربيّ أو في غيرها؟ دون النظر في المفاضلة بين المقابلات العربيّة لهذا المصطلح التي بلغت ثلاثة وعشرين مقابلاً بحسب إحصاء الدكتور عبدالسلام المسدّي(1).
وفي بداية تتبّعي التأريخي لمصطلح اللسانيّات وجدتُ أنّ الدكتور عبدالسلام المسدّي يقول: “والغالب على ظنّنا أنّه ظهر أوّل ما ظهر في الجزائر سنة 1966م عند إنشاء معهد العلوم اللسانيّة والصوتيّة التابع لجامعة الجزائر... غير أنّ الذي كرّس المصطلح وبوّأه منزلة الإشعاع إنّما هو صدور مجلّة المعهد سنة 1971م اللسانيّات”(2)، ويستفاد من هذا النصّ أنّ مصطلح اللسانيّات قد ظهر في الجزائر عام 1966م، ويرى الدكتور فوزي الشايب أنّ ظهور مصطلح اللسانيّات قد تأخّر قليلاً إلى عام 1969م، يقول: إنّ “مصطلح اللسانيّات الذي يدين بالفضل في وجوده إلى اللغويّ الجزائريّ المشهور عبدالرحمن الحاج صالح، والذي ظهر على وجه التحديد عام 1969م في محاضرة له بعنوان اللسانيات ألقاها في جامعة حلب”(3).
ويتابع الدكتور عاطف فضل الدكتور الشايب في رأيه، ويقرّر أنّ مصطلح اللسانيات ظهر في عام 1969م، وفي هذا السياق يقول: “ويدين هذا المصطلح في تسميته بهذا الاسم إلى اللغويّ الجزائريّ عبد الرحمن الحاج صالح 1969م”(4)، ويفهم من النصّين السابقين أنّ المصطلح قد ظهر في عام 1969م على يد اللسانيّ الجزائريّ الدكتور عبدالرحمن الحاج صالح -رحمه الله-.
ولكنّ الإجماع والتداول الواسع لمصطلح اللسانيّات في الجامعات العربية والمؤلّفات اللسانيّة قد تأخّر عن ظهوره اثنتي عشرة سنة على رأي المسدّي، وتسع سنوات على رأي الشايب وفضل، أيْ: إنّ الإجماع على هذا المصطلح قد انعقد عام 1978م، يقول المسدّي: إنّ من مكتسبات أوّل ندوة عربيّة في اختصاص اللسانيات التي نظّمتها الجامعة التونسيّة في عام 1978م اتّفاق جميع الحاضرين على تكريس مصطلح اللسانيّات اسمًا لهذا العلم(5)، هذا ما اشتهر عند دارسي اللسانيّات العرب، ولعلّ سبب ذيوع ذلك شهرة قاموس اللسانيات لـ عبدالسلام المسدّي الذي طُبِعَ في وقتٍ مبكّرٍ من عمر اللسانيّات العربيّة في عام 1984م.
ولكنّي وجدتُ أنّ ظهور مصطلح اللسانيّات يعود إلى أبعد من تلك التواريخ، فقد ظهر هذا المصطلح في تعقيبٍ لعبّاس محمود العقّاد على بحثٍ للمستشرق المجريّ جرمانوس عنوانه: (مقارنة بين اللغات المجريّة واللغة العربيّة) يقول العقّاد في هذا التعقيب: استفدنا كلمة (اللسانيات) وهي تجمع علوم اللغة الحديثة(6)، وقد نُشِرَ هذا التعقيب في مجموع يضمّ بحوث العقّاد ومحاضراته في مجمع اللغة العربيّة في القاهرة، ومن يرجع إلى ترجمة العقّاد يجد أنّه قد عُيِّنَ في المجمع اللغويّ سنة 1938م(7)، وأنّ العقّاد قد توفي -رحمه الله- في عام 1964م(8)، ولكن مع الأسف لم يضع من اعتنى بمحاضرات العقّاد وبحوثه تواريخَ للمقالات؛ لكي نعرف العام الذي ظهر فيه مصطلح اللسانيات مرادًا به علوم اللغة في العربيّة، ولكن يُستفاد من الحصر الزمني (1938م-1964م) الذي يبدأ بانضمام العقّاد إلى المجمع اللغويّ حتى وفاته أنّ مصطلح لسانيّات قد عُرِفَ في مصر، وهو سابق لظهوره في الجزائر عام 1966م، وسابق أيضًا لإطلاق الدكتور عبدالرحمن الحاج صالح له عام 1969م.
الحواشي:
(1) انظر المسدّي، عبدالسلام: قاموس اللسانيّات: عربيّ - فرنسيّ فرنسيّ - عربيّ مع مقدّمة في علم المصطلح، الدار العربيّة للكتاب، تونس العاصمة، الجمهورية التونسية، د.ط، 1984م، ص72.
(2) المسدّي، عبدالسلام: قاموس اللسانيّات، ص71.
(3) الشايب، فوزي: محاضرات في اللسانيّات، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، الطبعة الثانية، 2016م، ص4.
(4) فضل، عاطف: مقدّمة في اللسانيّات للطالب الجامعيّ، دار الرازيّ، عمّان، الأردن، الطبعة الأولى، 1426ه/2005م، ص54.
(5) انظر المسدّي، عبدالسلام: قاموس اللسانيّات، ص71.
(6) انظر العقّاد، عبّاس: المقالات النادرة: بحوثه ومحاضراته في مجمع اللغة العربيّة، جمع وتقديم ودراسة: صلاح حسن رشيد، مكتبة ومركز فهد الدبّوس، حولّي، الكويت، الطبعة الأولى، 1436ه/2015م، ص211.
(7) انظر ضيف، شوقي: مع العقّاد، دار المعارف، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1964م، ص45.
(8) انظر ضيف، شوقي: مع العقّاد، ص51.
** **
- فهد بن عبدالله الخلف