رمضان جريدي العنزي
صور الخميني والخامئني وقاسم سليماني وثلة أخرى من دراويش العمائم معلقة على جداريات ومداخل بغداد العربية العريقة بمقاسات كبيرة، وكأنها محافظة من محافظات إيران. إيران تحاول صبغ هذه المدينة وكل المدن العراقية بالحزن والسواد والتخلف والنكوص بشكل لا يطاق. تحاول أن تزرع فيها الموت والفاجعة، لا تريد لحدائق العراق النمو والاخضرار، ولا أن تكون دجلة هو دجلة، والفرات هو الفرات، ولا أن تكون مكتبة الرشيد عامرة. إيران صارت في العراق أفعى، تنفث سمها في كل مكان. لا تريد لتاريخ العراق العربي سوى الهدم والاندثار.. تريده مثل بيداء قاحلة، لا تنبض بالعطاء.. تريده طائفيًّا. إيران سبت العراق مثل لص محترف، يعرف كيف دروب الخيانة، وأساليب الخداع.. تريد أن تحاصره من التراب إلى التراب، وتغتاله مثلما يغتال الحمام. العراق كان مثل زنيقة بيضاء، كان شمسًا وقمرًا، قصيدة وموسم عطاء وماء، له وجد وعبق وشعر وعطر، وأحلامه كانت مغايرة، كان السندس والإغفاءة والوسن، قيثارة ولهى، تسح غضاضة وصبابة، وقصيدة تشدو بها ربابة، ألق الشروق إلى الشروق، وعبق الهضاب، لكن إيران حوّلته إلى جسد ينزف بالدم والصديد، لم يعد حمام بغداد هو الحمام، ولا يمامه يمامًا، ولم يعد الحلم في حضنه ينام. إيران لا تريد أن يكون العراق كما كان مهابًا، ولا مرايا، ولا موعدًا في الزحام، لا تريده أن يكون أصل الحكاية، وفصل الرواية، لا تريده غيمة، ولا تريده سحابة، لقد وسمته بالحزن والشقاء، اغتالت في ثغره الابتسامة، وحفرت في أرضه القبور، وزيّنت فيه اللحود. إيران تريد من العراق أن لا يكون أرضًا للعلم والحضارة، تريده أن يترك العلم، ويترك الحضارة، تريده مقبرة، وعنوان إبادة. لكن إيران ما عرفت أن في أرض العراق نبتت أسماء خالدة، مثل: جميل الزهاوي، والمتنبي، والبياتي، ومعروف الرصافي، ونازك الملائكة، والجواهري، وبدر السياب. ما عرفت أن فيه مدنًا تاريخية ومعالم شهيرة، مثل: كركوك والسامراء وعشتار وبابل والحدائق المعلقة. إيران ما عرفت أن إنسان العراق مثل حصان عربي، يطيل الطراد ولا يحجم، يقتحم أتون الحياة ولا يفحم، العزم والإبداع في صدره يثور، أبدًا لا يهدأ ولا يلين. إيران ما عرفت أن للعراق تاريخًا، وله حجرًا، شجره مثمر، ونخله له طلع نضيد، كان وسيبقى منارة وحكمة ومَعلمًا وفلسفة، وحضارة ولغة، ولا يضيره توارث البطش، وسلالات الهمجية. ولتعلم إيران أن العراق سيعود يوما لحضنه العربي أسرع مما كان وأقوى، وأن الضلالة والطغيان وخفافيش الظلام والعمى الذي تمارسه مجرد سحابة صيف قد تطول، لكنها ستظل أقصر عمرًا وأقل مددًا؛ فما بين العراق والعرب وشائج قديمة، وعلاقات مضيئة، وسلاسل ود طويلة، وإن تزاحمت الغيوم، وتناثر الزجاج وانكسر، فبوادي العراق، وعسف جباله، وشموخ نخيله، وضياء قديمه، شواهد عند العرب لا تبلى، لا تمحى، ولا تندثر، فليس غلوًّا بعد هذا أن يحب العرب العراق، ويحب العراق العرب، وليس غلوًّا أن يكره العراق العجم.