د.محمد بن عبدالرحمن البشر
ابن رشد الحفيد له مؤلفات كثير، هناك مع ذكر بأنها بلغت ثمانية وسبعين مؤلفاً، ومن مميزات هذا العالم الأندلسي الشهير أنه قد جمع من العلوم معظم ما كان سائداً في ذلك الوقت، ولهذا كانت مؤلفاته تحوي كنوز تلك العلوم المختلفة، وقد اشتهرت في الشرق والغرب، لكن بعض الغربيين قد رأوا أن تأليفه في الفلسفة فاق مؤلفاته في المعارف الأخرى، وقد جعلوا شروحه الدقيقة والمستصعية لكتب الأوائل مثل أفلاطون، وأرسطو، مدخلاً للفلسفة التي ساعدت في قيام النهضة في أوروبا، بعد عصور الظلام، وقد ألف ثلاث أنواع من الشروح لأرسطو، هي الشرح الأكبر، والشرح الأوسط، والملخصات أو التلخيصات، وفي شرحه الأكبر كان يورد النص بعد كلمة، قال، ثم يبدأ بالشرح، بينما الشروح الأخرى، كان بعضها في سياق الحديث، ولنا أن نتصور تلك المواضيع الهائلة، في فنون مختلفة، مقدار ما لديه من معرفة، فقد ألف كتباً عن الحيوان وأقسامه وطريقة توالده، وشرح كتاب الأخلاق للعالم نيقو ماخس، وشرح عن الطبيعيات، وقسم عن الأجرام السماوية، وشرح عن علوم السماء والعالم، وشرح عن الطبيعات، ومسائل في المنطق، وتلخيص عن الخطابة وصناعة الشعر، مع أنه لم يعرف عنه أنه شاعر بارز، أو خطيب مفوه، رغم وجود بعض قصاصات شعر له، فقد طغت شهرته في الفلسفة على قيمة شعره، وله كتاب عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، ومسائل في المنطق، وشرح كتاب الحميات لجالينوس، إضافة إلى كتاباته عن النفس، وما بعد الطبيعة، وهناك من يقول أن لديه رسائل في الموسيقى، والفراسة، والسياسة.
هناك كتاب سماه «تهافت التهافت» يرد به على كتاب الغزالي «تهافت الفلاسفة»، وكتاب سماه «جوامع سياسة أفلاطون»، وكذلك تحدث عن اختلاف وجهات النظر بين الفارابي وأرسطو في علم المنطق.
له مؤلفات في الفقه منها كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، التنبيه إلى الخطأ في المتون، وهذا كتاب لامس مشكلة قديمة حديثة في أخطاء المتون المعتمد منها وغير المعتمد، وهناك متون بين أيدينا قد حرفت بقصد أو غير قصد، وتجدر الإشارة إلى أن القارئ الذي يقرأ المتن كحقيقة واقعة، قد لا يكون كذلك فهو يمر باجتهاد، أو هوى المؤلف، ثم الناسخ، ثم الطابع والناشر، وقد استمعت إلى أحد علماء المغرب في المخطوطات، ورئيس الخزانة الملكية هناك، الأستاذ أحمد بنبين، وقد ألقى محاضرة عن الوثائق في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض واستشهد بكتاب للزمخشري، أوضح فيها أن هناك تحريفاً متعمداً قد وقع في النسخة الموجودة بين أيدينا، حيث حرف استهلاله للكتاب، فقد وجد الأستاذ بنبين في نسخة مخطوطة نادرة في ألمانيا، ما يدل على أنه كان على مذهب المأمون في الاعتزال، الذي يقول بخلق القرآن: قال: الحمد لله الذي خلق القرآن، بينما في النسخ التي لدينا: الحمد لله الذي أنزل القرآن، وهذا ما تدين به، فنحن نعلم أن الله قد أنزل القرآن، لكنها فتنة ظهرت وزالت، كما ألف كتاب والدرس الكامل في الفقه، وغيرها كثير، وفي النحو له كتاب اسمه: الضروري في النحو، وكتاب عن الكلمة والاسم المنشق.
في الطب له أكثر من عشرين كتاباً منها: كتاب الكليات، وهو درس كامل في الطب في سبعة أجزاء، وشرح أرجوزة ابن سيناء، وغيرها.
هناك من يقول إن شروح ابن رشد في الفلسفة، كانت تدرس في جامعة كيمبرج في القرن الثاني عشر، لكن هناك من يقول إن ذلك غير صحيح لأن تاريخ ميلاده لا يتناسب مع تلك الحقبة التي كان السفسطائيون الجدليون يبدأون بها دروسهم الفلسفية في تلك الجامعة.
وفي باريس، قال أحد القدماء الذي استفاد من فلسفة ابن رشد: (لم تكن كتب أرسطو في الفلسفة الطبيعية ولا شروحه لتقرأ على أهل باريس في السر والعلن، لكن في القرون الوسطى وفي بداية النهضة في أوروبا، كان يطلق على شروح ابن رشد ذات الشروح، ولا يستغنى عنها أحد)، والحقيقة إن المتون العربية الجديدة ربما بدأت ترجمتها عام 1219م.
هناك من يقول إن المترجمين قد حرفوا كثيراً في اسم ابن رشد وشروحه، ولهذا نجد بعض النصوص وردت في كتب ابن رشد وشروحه تقع تحت أسماء غريبة مثل ما هونتس لأن اسمه محمد، منيونيوس، بوريز، بون ريز، أي ابن رشد.
هناك علماء أوربيون في عصر النهضة كانوا عالة على فلاسفة عرب كما هي حال إسكندر الهاليبي، الذي دائماً ما يستشهد بابن سيناء والغزالي، ومن بعدهم ابن رشد، ونجد روبرت اللنكلني، يعتمد على العلماء العرب من المشرق والمغرب بما فيهم ابن رشد، ولم تتضح شروحات أرسطو في بعض صورها إلاّ من خلال ابن رشد.
هذا عالم من جملة علماء ساهموا في النهضة الأوروبية الكبرى.