د. عبدالحق عزوزي
أكدت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي أن قوات بلادها قتلت زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال في عملية شمالي مالي. وكتبت بارلي على تويتر: «في 3 يونيو قتلت قوات الجيش الفرنسي بدعم من شركاء محليين أمير القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال وعددًا من أقرب معاونيه». وقتل دروكدال في بلدة تساليت قرب الحدود مع الجزائر التي اتخذ منها التنظيم قاعدة لشن هجمات واختطاف مواطنين غربيين في منطقة الساحل. ووصفت بارلي تصفية زعيم التنظيم في بلاد المغرب بـ»نجاح باهر وضروري للأمن والاستقرار في المنطقة». وشارك دروكدال - وهو جزائري الجنسية وخبير في المتفجرات - في سيطرة جماعته على شمال مالي، قبل أن يصدها تدخل عسكري فرنسي في عام 2013، ويشتت مسلحيها في منطقة الساحل.
ونحن نتذكر أنه في 4 كانون الأول/ ديسمبر من السنة الماضية قُتل 13 جنديًّا فرنسيًّا في مالي في حادث تصادم بين طائرتَي هليكوبتر أثناء مهمة قتالية، استدعى الرئيس الفرنسي ماكرون إثر الحادثة رؤساء دول الساحل الخمس إلى قمة في مدينة بو في جنوب غرب فرنسا؛ لتتضح له الرؤية حول موقف هؤلاء من الوجود العسكري الفرنسي في بلدانهم. ولكن الأسلوب الذي اتبعه الإليزيه أثار - حسب المتتبعين - استياء في أوساط كثيرين في القارة السمراء؛ إذ شعر هؤلاء بأن ما صدر عن الرئيس الفرنسي هو أقرب إلى «استدعاء» لرؤساء دول تتفاقم فيها أصلاً مشاعر مناهضة لفرنسا.
وقال الرئيس الفرنسي بعد ذلك إن بلاده لا تستطيع مكافحة الجهاديين بمفردها في منطقة الساحل حيث ينتشر 4500 عسكري فرنسي في إطار قوة برخان، مطالبًا قادة دول مجموعة الساحل الخمس (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا) بـ»التزام سياسي واضح». وأردف في مناسبة أخرى: «لا يمكنني أن أطلب من جنودنا أن يخاطروا في سبيل مكافحة الإرهاب وضمان أمن هذه الدول، وأن يكون هناك من جهة أخرى رأي عام في هذه الدول نفسها مقتنع بأكاذيب».
المهم من هذا الكلام أن فرنسا بدأت تشعر بخطورة الرياح المناهضة لفرنسا في المنطقة، وبعد ست سنوات من الوجود المتواصل للقوات العسكرية، وسقوط 41 قتيلاً من الجانب الفرنسي، لا تزال هناك أعمال عنف جهادية في شمال مالي، وقد وصلت إلى وسط البلاد، وكذلك إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين؛ فالمؤسسة الأمنية في تلك الدول غير قادرة على حماية حدودها بتمكن، ولا على محاربة تغلغل الحركات الإرهابية العابرة للبلدان والقارات. وإذا كان التدين الصوفي الشعبي (القادري - التيجاني..) هو الحاضر منذ القدم في تلكم المجتمعات لعوامل تاريخية فإن الاتجاهات المحافظة المتزمتة بدأت تطرق أبواب تلك الدول بطريقة مثيرة، إلى أن وصلتها الجماعات والحركات الإرهابية القادمة من الصومال والنيجر، وهي اتجاهات لم تعهدها دول في السابق كالنيجر؛ إذ يمثل فيه المسلمون 60 في المئة، وهم مالكيون سنيون، وبوركينا فاسو، والمسلمون فيه مالكيون ومتصوفون بطبيعتهم. وأضحت تلكم البلدان فريسة للتنظيمات الإرهابية التي بدأت تنظر إليها كمنطقة صالحة للاستيطان واستقطاب البشر.
كما أن هناك ميزة تنعم بها هاته التنظيمات في هاته المناطق الشاسعة خلافًا لأخواتها في سوريا والعراق، وهي أنها تستفيد من عائدات التجارة في المخدرات والأسلحة والبشر في إطار علاقات متداخلة وأخطبوطية مع منظمات الجريمة الدولية ومع قبائل وإثنيات كالطوارق في مالي، أو تلك التي بجوار البحيرة الكبرى في التشاد. وهاته التجارة تدر على التنظيمات الإرهابية كالقاعدة والمرابطين، التي تدعي أنها على نهج الملة الصحيحة وذات المأكل والمطعم والمشرب الحلال، حسب مكتب الأمم المتحدة لشؤون المخدرات والجريمة، نحو أربعمائة مليون دولار في السنة؛ لتصبح تلك الدول منطلقًا آمنًا للمخدرات (كالكوكايين مثلاً) إلى أوروبا عبر غرب إفريقيا، ولتباع الأسلحة التي تأتي بحرًا إلى بنين وتوغو في كل دول المنطقة.
ولم يمنع وجود القوات الفرنسية ذات الحضور الاستعماري القديم في المنطقة وحضورها العسكري من الحيلولة دون تطور الإرهاب، الذي سيحدث مع مرور الزمن شرخًا عظيمًا في كينونة ومستقبل الأجيال. والمشكل الكبير بالنسبة لفرنسا هو أن هذا الإرهاب لا يصيب فقط الدول المعنية ولكن أيضًا قواتها العسكرية الموجودة هناك، بل مصالحها الاستراتيجية.