د. محمد عبدالله العوين
تعرفت على مهدي وأخيه ووالده قبل التحاقي بإذاعة الرياض؛ فقد كنت طالبًا في الجامعة 1396 - 1400هـ وأسكن في عمارة المعجل الواقعة على امتداد شارع البطحاء، وحين تأتي الامتحانات تمتلئ المساجد القريبة من السكن بالطلاب يذاكرون فيها، ووقع اختياري على المسجد القريب من محطة البرقية الملاصقة لمسجد العيد، ألفنا جماعته وألفونا، ولاطفنا رجل طاعن في السن أبيضت لحيته ويتكئ منحنيًا قليلاً على عصا حين أراه خارجًا من عمارة في الجهة الشمالية من مسجد العيد، وكان يسلم ويهش لنا حين يأتي باكرًا للصلاة قبل أذان العشاء، وعلمت أن اسمه (أحمد الريمي) والد مهدي.
لم يكن هذا الاسم غريبًا على ذاكرتي؛ فبعد وفاة الملك فيصل 1395هـ -رحمه الله- شاركت في الصلاة عليه مع آلاف المصلين بصحبة عدد من الزملاء من أبناء مدينة حوطة بني تميم من طلاب المعهد العلمي وغيرهم، وبعد انفضاض جموع المصلين وتخفف الشوارع المحيطة بمسجد العيد من السيارات والجماهير المحتشدة عرض علينا شاب لطيف اسمه (صالح الريمي) احتساء الشاي في شقته المقابلة، وبعد أن أمضينا ما يقارب نصف ساعة من الأحاديث المتنوعة فإذا برجل بهي الطلعة مربوع القامة حليق الذقن يدخل علينا باشًا مسلمًا بصوت جهوري ومعتذرًا عن الجلوس والمشاركة في الحديث لانشغاله.
وعقب صالح على بشاشة أخيه ولطفه بمزيد من التعريف فقال: هذا أخي مهدي، يعمل مخرجًا في إذاعة الرياض.
ولم يغب الاسم عن ذاكرة جميع الحاضرين، فاسمه يتردد صباحًا ومساء عبر أثير إذاعة الرياض.
مضت ثلاث سنوات على ذلك اللقاء الخاطف، ولم أكن أعلم أن ذلك المخرج السمح سيكون أول من أتعامل معه في استديو إذاعة الرياض 1398هـ وستحدد التجربة الإذاعية التي سيسجلها لي بإشراف الأستاذين محمد الشعلان وإبراهيم الذهبي مصير مستقبلي العملي خلال أكثر من ثلاثين سنة قادمة.
وبعد اجتيازي التجربة وإسناد بعض من التكليفات الهامشية تولى إخراج عدد من برامجي الثقيلة كـ (بين ذوقين) و(ريبورتاج) و(بعد الإفطار) و(ضيف الليلة) و(سكن الليل) في السنوات العشر من 1401 - 1411هـ.
وكان من المهمات الجميلة التي أسعدتني صحبته 1402هـ لتسجيل عدد من البرامج في المنطقة الغربية، مررنا بسيارة الإذاعة على مهدي في منزله المقابل لمستشفى الشميسي وقصدنا الباحة برًا، وبعد أن قطعنا ذلك الطريق الطويل التقينا في اليوم التالي أميرها الشهم إبراهيم آل إبراهيم وعددًا من أدباء المدينة وعلمائها ومسؤوليها، ثم إلى الطائف ثم جدة ثم مكة.
رأيته في الملتزم عند الكعبة المشرفة ونحن نؤدي العمرة يبكي بكاءً حارًا اختلطت فيه دموعه بالدعوات والرجاء. قلت له بعد ذلك: يا مهدي من يراك تمزح كثيرًا وتضحك كثيرًا سيخيل له أنك لست جادًا ولا شديد الالتزام؛ ولكنني في رحلتي هذه معك أشهد بالله أنك من أنبل وأصدق وأرق وأطيب وأزكى الرجال -رحمه الله- وغفر له.