د. عبدالرحمن الشلاش
في عالم مادي توارت كثيرٌ من القيم التي تضبط العلاقات الاجتماعية السوية بين الأفراد وبات التنافس هو الطاغي على رتم الحياة اليومية. التنافس يأخذ أشكالاً كثيرة لكن أسوأ أنواعه التنافس غير الشريف للوصول للهدف حتى ولو كان هذا الوصول عبر طرق ملتوية.
هنا تسود قيم مادية سيئة مثل المبالغة في حب الذات والنرجسية والأنانية في وضع قد يقود للتعدي على حقوق الآخرين بما يشبه الشيطنة. هذه السلوكيات قد تؤدي في بعض المواقف للمصادمات وحدوث المشاكل.
حتى محاولات خرق النظام من عكس للمسار أثناء القيادة، أو تجاوز إشارات المرور أو السرعة الزائدة عن الحدود. أيضاً محاولة أخذ أدوار الآخرين المنتظرين إما بالواسطة أو القوة وفرد العضلات والعنترية والتخلّي تماماً عن القيم الإنسانية التي تحكم المجتمعات البشرية وتضبط السلوكيات وترتب العلاقات السوية.
الحركات الاستفزازية هنا وهناك والتهور والرعونة ونبرات العنصرية أو الاستعلاء، والتفوّه بالكلام البذيء والساقط من الألفاظ والتمحور المقزِّز حول الذات والتطبيل للنفس، والتقليل من الآخرين، والقفز على إنجازاتهم، والسرقات العلمية والأدبية، ونسب الإنجازات لغير أهلها، وكثير من السلوكيات غير السوية تصنع العالم المتشيطن الذي رمى بقيم الإيثار والمودة والتواضع والوفاء وغيرها عرض الحائط، وشمَّر عن ساعديه ليحصل على ما لا يستحق. القوي مفتول العضلات سليط اللسان سيأخذ ما يريد، أما الضعيف أو الحساس، أو من لا يستطيع فسيهضم أمام تلك القوى المتشيطنة.
بالتأكيد أن وراء سلوكيات المتشيطنين عوامل مثل الجهل وضعف الإدراك وسوء التربية، والعقد النفسية، وقد ينتج من محاولة إفلات البعض من النظام بأي طريقة، أو تأثير بعض العقاقير ومن يتعاطون المخدرات، أو من يرون أنفسهم فقط ومن بعدهم الطوفان ويصرون على ذلك.
كنا ذات يوم عند الحلاق ثلاثة على كراسي الحلاقة وثلاثة بالانتظار وكانت الأمور تسير على ما يرام، وفجأةً فتح الباب شخص متجهم الوجه صوته غليظ فألقى نظرة تعبِّر عن عدم رضا عن الوضع على اعتبار أنه قد توقَّع سلفاً أن يجد أحد الكراسي فارغاً ولما وجد الحال غير مرض بالنسبة له قال بصوت مرتفع «ما فيه حلاقين زيادة»؟ ولما لم يرد عليه أحد قال طيب متى تخلصون أيضاً؟ لم يرد عليه أحد لأن الطبيعي أن يسلِّم ثم يجلس لينتظر دوره، ولأنه لن يفعل ضرب بالباب بقوة ثم مضى. تصوّر لو أن أحد الجالسين رد عليه تصوّروا ما الذي سيحدث؟
تعلَّمنا أننا كي نعيش مع هؤلاء المتشيطنين إما أن نتجاهل ولا نرد وإن كان لا بد نتيجة أن الأفعال لا تحتمل فالأولى الرفع للجهات المسؤولة دون محاولة الاحتكاك بهم. العيش في عالم الشيطنة يتطلب ذكاءً انفعالياً عالياً.