علي خضران القرني
* أسفت وحزنت كغيري من محبي وأصدقاء ومعارف الأستاذ الدكتور عبدالعزيز النهاري -رحمه الله- عندما تلقيتُ نبأ وفاته عبر القصيدة الرائعة المعبرة في بابها المرسلة لي من الصديق الوفي الأديب الشاعر الدكتور/ عبدالله محمد صالح باشراحيل النابضة بالحزن والأسى، التي يرثي فيها صديق الجميع د. عبدالعزيز النهاري، وبدأها بقوله:
كل قلب على فراقك باكِ
يا صديقي وأنت في الناس زاكِ
أنت فينا مجلل بالتسامي
يا نبيلاً وقد علا للسماكِ
وختمها بقوله:
إن دنيا الحياة والجور فيها
تتهيا لمجرم سفّاكِ
فاز عبدالعزيز بالحب فيها
وعلى فقده لتبكِ البواكي
* ونحن عندما نرثي شخصية مثل شخصية الراحل إنما نعدد من خلالها مناقبه الحميدة في مسيرة حياته على مستوى ما قدمه لأمته ووطنه وقيادته من خدمات جلية، وإنجازات رائدة، إذا ذُكرت شُكرت!!
* كان عاشقاً للصحافة في سن مبكرة من عمره، كغيره من الشباب الطموح، وبإصراره وصموده وإرادته أكمل تعليمه حتى حصوله على الدكتوراه بتفوق، وهي صفة يمتاز بها أبناء جازان (ذكاءً.. وتحصيلاً).
* كنت ألتقي الراحل في العديد من المناسبات الثقافية والأمسيات الشعرية، وبعض مكاتب الصحف، خاصة عندما تولى رئاسة تحرير جريدة البلاد وعكاظ تكليفاً.
* كان - رحمه الله - موجهاً لعشاق الصحافة والكتابة قبل أن يكون مشجعاً، وكان على خلق كريم وتواضع جم في تعامله مع الآخرين، وكان هادئ الطباع، مخلصاً في عمله، وغاية في الاستقامة والتدين، وعنصراً فاعلاً في هيئة الصحفيين السعوديين.
* قال عنه صديقه ورفيق عمره الأستاذ الدكتور هاشم عبده هاشم الكاتب المعروف ورئيس تحرير جريدة عكاظ سابقاً، من خلال السيرة الرثائية العطرة التي أفردها عنه على صفحتين في هذه الجريدة في عدد يوم الخميس 19 شوال 1441هـ: «وما لا يعرفه الكثيرون عنه هو أن الرجل -رحمه الله- على درجة قصوى من التدين.. ويكفيه أنه كان إماماً لمصلى في حي الهنداوية حيث كنا نسكن، ولمّا يتجاوز سن العشرين. لماذا؟ لأنه رُبي على يد شيخ فاضل، والده (الشيخ محمد النهاري) الذي تعلمنا منه هو وأنا وعلى يديه الكثير من الفضائل، طوال حياته إلى أن توفاه الله. وهكذا عاش الابن نموذجاً في الخلق ومحبة الناس وعمل الخير -رحمه الله رحمة الأبرار-».
* وإضافة إلى ما يتمتع به الراحل من مزايا نبيلة، وتعامل حسن، فله جوانب إنسانية رائدة في أفعال البر والخير، الظاهر منها والخفي، أشاد بها من يعرفه وتعامل معه. أذكر واحدة منها، أختم بها هذه الرثائية في ذكر محاسن الراحل -رحمه الله-:
* جاءني ذات مرة أحد الجماعة، ومعه أحد أيتام القرية، نجح في الثانوية العامة بتقدير ممتاز، طالباً شفاعتي في تسجيله بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة بقسم اللغة الإنجليزية لوجود أخته التي سيسكن معها هناك، وقد دفعني حب الخير لأخذ ملفه، والاتصال بصديق في جدة، وقلت له يقابلني في الجامعة. وفعلاً قابلني، وشرحت له الأمر، وبعد إطلاعه على الملف قال: تقديره يمكِّنه من التسجيل دون شفاعة؟ قلتُ له هو لا يريد إلا قسم اللغة الإنجليزية، وقالوا له اكتمل العدد في القسم المذكور.
* وفي اليوم التالي ذهبت أنا وصاحبي للجامعة، وقابلنا الدكتور/ عبدالعزيز النهاري، وكان صديقاً حميماً لصاحبي، فرحَّب بنا، وشرح له سبب الزيارة، وأطلعه على الملف، وغاب عنا برهة من زمن وعاد، وبشَّرنا بتسجيل الطالب مكان طالب قدم اعتذاره من قسم اللغة الإنجليزية، ففرحنا جميعاً بتحقيق رغبة هذا اليتيم!! وقال لنا في هدوء -رحمه الله- وهو يودِّعنا: أرجو أن أكون وأنتم بتحقيق رغبة هذا اليتيم ممن شملهم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة...» إلى آخر الحديث.
* هذه واحدة من الجوانب الإنسانية الكثيرة التي يتصف بها الراحل -رحمه الله- في حياته.
* رحم الله أبا محمد رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه بما قدم وعمل وأنجز في خدمة أمته ووطنه وقيادته أفضل الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناته، وألهم أهله وذويه وأصدقاءه وزملاءه ومحبيه الصبر والسلوان. وإنا بفراقك يا أبا محمد لمحزونون.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.