عبدالعزيز السماري
هناك تاريخ طويل في عدم الثقة في البيانات والقدرات المحلية، كان يُطلق عليها في الماضي عقدة الخواجة، والذي كان يمثل المصدر العلمي والخبرة التي لا يمكن أن يجاريها عالم شرقي الملامح، ويعود ذلك لقلة الخبرات المحلية في مختلف أنحاء الشرق العربي، ولا يمكن بأي حال إنكار الاستفادة من الخبرات الأجنبية في مجالات عديدة، لكن الزمن تغير، وأصبح هناك خبرات محلية، قد تضاهي ما يقدمه الخواجه الآن.
تجلت هذه الظاهرة في زمن كورونا، وفي كيفية تلقي التوصيات العلمية، في وقت تجاوز العالم فيه المركزية العلمية للغرب، ومع ذلك لا يزال البعض لا يقبل أي خبرات أو دراسات ما لم تختم عليها المؤسسات شبه الرسمية الأمريكية، برغم من ما أصابها من تلوث وتداخل بين العلم ومصالح الشركات، وما قد يخفى على الكثير أن الطب وصحة الإنسان تحولتا إلى أرقاء عند الشركات الكبرى للأدوية.
فكثيراً من الدراسات الأخيرة مثل فضيحة لانسيت العلمية الشهيرة في نشر دراسة مفبركة أثبتت أن المرجعية الغربية لا يمكن أن يُنظر إليه كمثال نموذجي لا يجب التشكيك فيه، وهو ما سيفتح الباب في أن تكون مصادر الدراسات العلمية من مختلف أنحاء العالم، وقد تكون بداية النهاية لعقدة الخواجة.
كان أهم مثال لهذه العقدة ما حدث من إيقاف لدواء الهيدروكسي كلوروكوين الذي أثبت وجوده بسبب دراسة مفبركة، وزيادة الحالات الحرجة، والدليل على وجود أتباع لهذه العقدة إصرارهم على الرجوع إليها بالرغم من حذف الورقة العلمية من المجلة بسبب البيانات الخاطئة أو المفبركة، وأيضاً تصديقهم لتحذير منظمتي الصحة العالمية والغذاء والدواء الأمريكية عن الدواء في أنه يسبب أعراضاً جانبية قاتلة، برغم من وجود بيانات سابقة صادرة عن المنظمتين توضح أنه آمن.
الأدهى من ذلك أن الدواء يستخدم منذ أكثر من ثلاثة عقود من قبل أطباء الروماتيزم في السعودية، ويصفونه لسنوات، ولم تحدث لمرضاهم آثار جانبية إلا في النادر، ومع ذلك لا يلتفون لهذه الخبرات المحلية، لأنهم ليسوا خواجات، وما يعيب هيئة الغذاء والدواء السعودية أنها تنسخ بيانات المنظمة الأمريكية للغذاء والدواء وتنشرها. بينما من المفروض أن يكون لديها لجنة علمية تتحقق من صحة الإدعاءات من أيّ مصدر قبل التحذير، وأن تمون قادرة على إجراء الدراسات اللازمة، وكانت قد حذرت المستشفيات من استخدامه.
عقدة الخواجة لها جذور في العقل العربي، ويعود ذلك لفشل التنمية في بعض الدول العربية، ويحاولون تبرير ذلك بأنهم يفتقدون للخبرات الوطنية، وذلك غير صحيح فالمهاجرين العلماء من العرب والمؤثرين في الغرب يصل إلى أرقام عالية، وهجرتهم جاءت بسبب عدم الثقة، وربما في انعدام فرص البحث العلمي والعمل.
قد لا نكون وصلنا إلى مستوى عال من التقدم، لكن الطريق يبدأ ببناء الثقة في الخبرات الوطنية، وإعطاءها الفرص لإخراج ما لديها من أفكار وأبحاث، ومن خلال هذه الخطوات سنصل إلى الاستقلال الذاتي عن تأثير المصالح الغربية، ويبدأ ذلك بأن نعتمد خطة علمية للبحث العلمي محلياً عن أيّ منتج خارجي قبل إقراره وتسويقه.