د. محمد عبدالله الخازم
عاصرت وتابعت كثيرًا من التعيينات فوجدت النمط السائد فيها هو معرفة صاحب القرار المباشر بالأشخاص، أحيانًا معرفة اجتماعية، أو أخذه بتوصيات، غالبًا، من الأصدقاء الذين يعتقد صاحب القرار بأنهم ثقات، حتى إن كان بعضهم لا يعرف طبيعة المنصب ومهامه. كتبت قبل عدة سنوات عن ظاهرة تعيين رؤساء الأقسام والعمداء في الجامعات متسائلاً كيف يعرف مدير الجامعة كل هؤلاء في تخصصات وبرامج مختلفة، بطريقة علمية وموضوعية منصفة؟ الانتخابات أحد الحلول لكنها مصدر تحفظ، لذا اقترحت تشكيل لجان اختيار وتعيين وآليات لعملها. من حسن الحظ أن معالي د.عبدالله العثمان التقط الفكرة وبدأ تطبيقها في جامعة الملك سعود ومثله فعلت بعض الجامعات وإن كان بشكل غير ناضج أو غير مخلص في تطبيق الفكرة أحيانًا.
هناك بعض الجهات مكوناتها ضخمة وطبيعة عملها تتطلب تعيينات في مناصب عديدة تمثل مراكز مهمة وفي كافة المناطق، فكيف للمسؤول أن يعرف ويتأكَّد من كفاءة الجميع ومناسبتهم للمناصب المقترحة وفي مختلف المناطق والمواقع، وكيف له أن يدرك التفاصيل الفنية والقيادية لكل منصب؟ الأمر ليس تقليلاً لكفاءة القائد، لكن لنأخذ مثلاً أصحاب المعالي وزراء الصحة والتعليم والتنمية البشرية وغيرهم، نجد كل منهم يصدر ما لا يقل عن مائة قرار في العام الواحد ما بين ترشيح وتكليف وتعيين وتمديد؛ مديرو جامعات - هيئات - مستشفيات - مراكز - مناطق - ملحقيات - عموم - ووكلاء - إلخ. أشفق أحيانًا على أولئك المسؤولين من هذا العبء الكبير في ظل الحرص على الكفاءة والقدرة أولاً!
بسبب عدم وضوح الآليات نحن نخسر في حالات عديدة اختيار كفاءات مميزة مستحقة للمناصب ونعين كفاءات دون المستوى تتحول إلى عبء على المنظومة والمستفيد. يجب ألا نكابر في الاعتراف بأننا في النهاية بشر نعيش في مجتمع له ثقافته المجتمعية التي تغلفها المحسوبيات والاختيارات المبنية على انطباعات فردية. أعتقد أنه حان الأوان لإيجاد آلية مؤسسية أفضل في اختيار القيادات المختلفة بشكل يتيح الموضوعية والعدالة في الاختيار قدر الإمكان، وكسر ثقافة المحسوبيات والمجاملات والانطباعات الفردية.
ربما أصبح مطلبًا تشكيل لجنة تراجع الترشيحات قبل إصدار التعيينات ويفضل أن يعرف أو حتى يعلن عن المنصب ومواصفاته وشروطه ويتم عمل تلك اللجان بالتصويت السري. قد تكون لجنة مركزية استشارية محايدة، لا يوجد تضارب مصالح لمن يمثلها للمناصب العليا، ولجان على مستوى المؤسسات للمناصب المتوسطة وهكذا. في النهاية أريد كسر ثقافة التعيين بناء على قرار فردي، والخروج من عنق الفردانية الطاغية في هذا المجال. البعض يعتقد أن المسؤول يختار من يثق فيهم للعمل معه وهذه نظرة توحي أن مؤسساتنا لا تعمل وفق نظام مؤسسي، حيث النظام المؤسسي يفترض بأن المسؤول قادر على التعامل مع مختلف الكفاءات دونما تحيز طالما اختيرت وفق أسس موضوعية. جهد وولاء المسؤولين في مختلف المناصب القيادية يجب أن يكون للنظام وللوطن وللمؤسسة وليس للفرد وأخشى أننا سنجد أنفسنا نتوارث المناصب القيادية حتى في القطاعات الصغيرة بسبب ثقافة الترشيح الاجتماعية وليس الموضوعية المبنية على الكفاءة والتنافسية.