د. عبدالرحمن الشلاش
هناك من يعتقد أن الهدوء مؤشر على ضعف الأداء في العمل بينما كثرة الكلام وكثرة الضجيج دليل على الحركة والفاعلية وقوة الأداء. غاب عن هؤلاء بالتأكيد أن الهدوء الواعي يؤدي إلى التركيز وبالتالي يكون مثمراً في كمية الإنجاز الذي قد لا يتوافر لدى هواة الضجيج ورافعي الصوت وكثيري الكلام.
إذا انشغلت بغيرك أدى ذلك إلى تقدمهم وتأخرك هذه حقيقة تثبتها الوقائع، يُضاف إلى ذلك أن مثل هذا النوع السيئ من السلوك يؤدي إلى تشتيت الذهن وغياب التركيز والاهتمام بالهوامش على حساب الأمور الأساسية ليجد من يتقمّص هذا السلوك نفسه دون إنجازات ودون معرفة أو خبرة.
التفرّغ لملاحقة الآخرين والرد عليهم وتتبع خطواتهم أو محاولة تقزيمهم يستهلك الكثير من الوقت، ويفقد التركيز والثبات ويبدد الطاقات وبالتالي يكشف فشل من يقوم به أمام الآخرين. كثيرون إنجازاتهم لا تتعدى الحضور والانصراف، أما الوقت بين بداية ونهاية الدوام فيصرفونه في تفاهات طفولية وصراعات بينية شرسة ومحاربة لأي ناجح، كيف يجد مثل هؤلاء الوقت للعمل وهم يعيشون يوم العمل وسط هذا الصخب؟ كيف يحدث هذا؟ إنه ببساطة يتم في ظل إيهام الآخرين بالعمل والإنجاز وخصوصاً في الإدارات التي تعاني من الفوضى أو غياب القيادة القوية بينما الواقع غير ذلك، إذ تجد لدى تلك النوعيات كثرة الكلام والتصريحات الرنانة تغطية لفشلها، وقد يبحث مثل هؤلاء عن مهام شرفية لا تتفق مع طبيعة عملهم من أجل كسب الرؤساء وخداعهم بأنهم من الأشخاص الذين لا يمكن الاستغناء عنهم في أي حال كان!
أذكر كان معنا زميل في العمل كثير الضجيج والتواجد الدائم أمام الكاميرات، ويحاول دائماً التظاهر بالعمل بينما واقع إدارته في أسوأ حال! وإنتاجيته تقارب الصفر لكنه يحاول كسب الرئيس بأداء بعض المهام الهامشية، بعد أن تغيَّر الرئيس استغنى عنه الرئيس الجديد لأنه لم يجد له أي أثر في العمل، ولأن الجديد القادم من النوع الجاد والعملي والذي يقيس إنتاجية الموظف بما تم إنجازه من مهام.
قد يخرج الإنسان من دائرة الهدوء في جلساته الخاصة كي يفرغ الكبت الناتج عن ضغط العمل، لكن من غير اللائق أن ينقل هذا الصخب المزعج إلى دهاليز منظمة العمل.
الهدوء المثمر في العمل يتطلب البعد عن كل المشتتات ومضيعات الوقت أو الدخول في جدل أو صراعات أو صخب. هدوء واع يحقق نتائج كثيرة مثمرة لأنه يتيح للموظف التفكير العميق وحل المشكلات والتطوير وإنجاز مهام أكثر مما هو مدوّن في خطة العمل وهو غير الهدوء السلبي الذي ضرره أكثر من نفعه لأنه سيتحول إلى كسل وخمول مع مرور الوقت.