حمزة بن أحمد بيت المال
ينتشر كثيرا الحديث عن مواقف تتطلب سلوكا معينا من قبل أفراد المجتمع، مثل حالة الدعوة للالتزام بالتعليمات والإرشادات لتجنب الإصابة ونشر فيروس كوفيد19. ويتركز استخدام مصطلح «الوعي»، وربطه بمفردات وصفية مثل قلة، عدم، أو ضعف، الالتزام. كما ينتقل هذا الاتهام لوسائل الإعلام وتقصيرها في توعية أفراد المجتمع. ومن أجل فهم ظاهرة عدم «الوعي» نحتاج لتوضيح العديد من الأمور المتعلقة بها.
إن الوعي هو معرفة وجود المعلومة ضمن منظومة الفرد المعرفية أوالفكرية، حيث هناك مستويات متعددة لهذه المنظومة يجب أن تأخذ بالاعتبار. لكن هل وجود المعلومة يكفي للتأثير على سلوك المتلقي لها؟. إن وجود أي معلومة في منظومة الفرد الفكرية تمتزج مع بقية المعلومات السابقة المختزنة في ذاكرة الفرد لتشكل الرأي والاتجاهات، والعقائد نحو موضوع الحدث، والتي هي متطلب يسبق السلوك. لذلك فإن الحكم على قيمة المعلومة وتأثيرها على الفرد وسلوكه، هي عبارة عن مزيج معقد من مجموعة المفاهيم الحُكُمية على موضوع الحكم، وفي هذه الحالة هو سلوكيات الوقاية من الفيروس.
إن سلوك الفرد نحو أي موضوع هو مرحلة متأخرة من تعامل الفرد مع هذا الموضوع، حيث يسبقه استقبال المعلومة، وإدراكها، ثم الحكم عليها: بناء رأي، واتجاه عنها، والاقتناع بها، ومن ثم يأتي السلوك. رحلة المعلومة هذه تمر بشكل متتابع ومتسلسل، بمعنى لا توجد مرحلة تسبق الأخرى.
إن قلب هذه العملية يلاحظ انه في بناء الرأي والاتجاه نحو موضوع الحكم. كما أن الرأي والاتجاه هما في الواقع تعبير عن مجموعة القيم والعقائد المختزنة في منظومة الفرد المعرفية وهي التي تحدد في الأصل السلوك.
تكمن خطورة فيروس كوفيد 19، بضعف وعي الناس بهذه الخطورة، فإن ما يحصل من عمليات ذهنية داخل منظومة الفرد المعرفية «الوعي» هو ما يحدد اتجاه الفرد ونطاق التزامه بأمور الصحة العامة. إن سلوك الالتزام بمحددات الحياة العامة يمكن تحقيقه بالعديد من المستويات منها؛ ديني، وقانوني، وأخلاقي، وثقافي. لذلك فإن موقف الفرد وسلوكه تجاه فيروس كوفيد19 معقد جدا وتلعب في تحقيقه متغيرات عديدة، بما في ذلك المستوى التعليمي والحالة الاقتصادية.
دينياِ على سبيل المثال قد يجد الفرد صعوبة في الفهم والتفريق بين « قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. التوبة (51) « وبين « وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ... الانفال (60)» او حديث «اعقلها وتوكل»، وتحديد متى يعتبر الحدث «مشيئة إلاهية» ومتى يعتبر الالتزام أمرا ضروريا وإلزاميا. أما قانونياً فمعروف انه متى ما غابت عين الرقيب فإن الالتزام بالقانون يضعف، وهنا يأتي دور الضابط الأخلاقي الذي ينظم حياة الفرد دون الحاجة للقانون. ومن ناحية ثقافية فشيوع استخدام المقولات المؤثرة والأمثال المختزنة في ذاكرة الفرد مثل «خليها على الله» و «ما راح يموت أحد قبل يومه»و»الأعمار بيد الله»، هي التي تتصارع داخل هذه المنظومة.
التوضيح السابق قد يشرح جزءا كبيرا من حالة الفرد الذهنية التي هي في عقول الكثير من الناس الآن في التعامل مع الفيروس والسلوكيات المطلوب الالتزام بها. إن معلومة ان الفيروس خطير وقاتل من خلال حجم الضخ الإعلامي الكبير بجميع وسائله يبدو أنها وصلت للجميع. لكن هناك تفاوتا كبيرا بين حالة الوعي الفردية في الحكم وتقدير حجم الخطورة، وتطبيقها سلوكياً. لذلك أطلق على من لم يلتزموا بالتعليمات والإرشادات الوقائية بأنهم من أصحاب الوعي المتدني.
وفي الختام فإن ما قامت به حكومة المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة الصحة، ووزارة الداخلية، والتجارة وبقية القطاعات المعنية جهود مقدرة ومشكورة من أفراد المجتمع السعودي والمقيمين معنا، وهي جهود موفقة، لكونها تمكنت وبالتعاون مع مختلف وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي أن تفرض احتراما وتقديرا لمثل هذه الإجراءات.
إن المسؤولية تقع الآن على من يعمل على جهود الإقناع، والتوعية للمجتمع في هذه الفترة، فإن عليه في البداية معرفة حجم تأثير الأبعاد الدينية، والقانونية، والأخلاقية، والثقافية، وقيمة، وشدة نطاق كل منها في تحديد سلوك الفرد، والعمل على تفكيك حالة التداخل بين هذه القيم المتعددة.
إن الأمر ليس كما يتصوره بعضهم من أن رفع مستوى الوعي هو في مصفوفة من المفردات وإنتاجها في رسالة إعلامية في شكل إعلان أو برنامج مع ألوان وجرافيك ويلقيها أحد مشاهير السوشل ميديا وتوزيعها ونشرها في المجتمع، ثم نلوم المجتمع بعدم الوعي. إن هذا تبسيط وتسطيح لطبيعة الإنسان المعقدة التي يجب أن تعكس على شكل مسارات ومجالات متخصة لتأتي بالنتائج المطلوبة. والله من وراء القصد.