فضل بن سعد البوعينين
من الأمور اليسيرة على الادعاء الأمريكي بناء قضايا مُحكمة في تمويل الإرهاب ضد نظام قطر ومؤسساته المالية والخيرية، متى أراد ذلك؛ لوجود القرائن الدامغة التي تمتلكها أجهزة الاستخبارات الغربية التي مارست دور الموجِّه لعمليات قطر القذرة المنفَّذة بالوكالة خلال العقدين الماضيين. ليست إلا مركزًا استخباراتيًّا للأجهزة الصهيوأمريكية، ومصرفًا مركزيًّا لتمويل الجماعات والمنظمات والعمليات الإرهابية.
وكالات الاستخبارات الغربية لديها المعلومات الموثقة حول تمويل قطر وإيران الإرهاب الدولي، ودعمهما تنظيمات إرهابَيْها، وفي مقدمتها حزب الله، جماعة الحوثي، النصرة، داعش والحوثي في اليمن، غير أنها تخفي تلك الملفات لأهداف استراتيجية، تقتضيها المرحلة الحالية التي ربما ارتبط استكمالها بحدوث تغيير رئاسي في البيت الأبيض، وعودة الديمقراطيين للحكم.
لذا فأي حديث عن قضايا مرفوعة أمام المحاكم الأمريكية ضد الحكومة القطرية، أو مؤسساتها المالية والخيرية، يفترض ألا يرفع سقف التوقعات في المواجهة القانونية الحاسمة التي ينتظرها ويتوقعها ضحايا النظام القطري في المنطقة، وهي إن حدثت فسيتجاوز الأمر قضايا يتم رفعها أمام المحاكم الأمريكية؛ لتصل إلى المحكمة الدولية، والادعاء بجرائم حرب ربما أحدثت تغييرًا شاملاً في النظام القطري.
وهذا لا يمنع القول بأهمية أي قضية حقوقية يتم تحريكها ضد مؤسسات مالية وخيرية قطرية، أسهمت في تمويل الإرهاب، أو قبلت تمرير الأموال القذرة لجماعات أو منظمات إرهابية حول العالم، ومنها دعاوى سيتم رفعها حاليًا أمام القضاء الأمريكي ضد «قطر الخيرية» و»مصرف الريان» و»بنك قطر الوطني» وغيرها بسبب استخدامها النظام المالي الأمريكي بتحويل ملايين الدولارات عبر نيويورك، ثم إلى منظمات، تُصنَّف في الولايات المتحدة على أنها إرهابية. أعتقد أن أهمية الضغط الإعلامي في قضايا تمويل الإرهاب الحالية الموجَّه ضد قطر أكثر أهمية من الأحكام التي قد يستغرق النطق بها فترة زمنية طويلة، غير أن استثمارها في حاجة لمنظومة إعلامية وفكر مؤسسي قادر على استغلالها بشكل احترافي في أمريكا وأوروبا، كما تفعل المنظومة الإعلامية الغربية في تعاملها مع قضايا المملكة.
النظام المالي القطري غارقٌ في قضايا تمويل الإرهاب وغسل الأموال، بل إن بعض رموز النظام القطري من المتهمين بجرائم مالية، تتضمن الرشى وغسل الأموال وتمويل الإرهاب. وما الدعوى الحالية إلا جانب يسير من القضايا القذرة والمعقدة التي تم تنفيذها خلال عقدين من الزمان، وأحسب أن ارتباطها بمتضررين أمريكيين دُفع بها إلى الواجهة بهدف الحصول على تعويضات ضخمة، يتقاسمها المحامون وموكلوهم من المتضررين.
المحامي «ستيفن بيرلس» قال إن الدعوى لا تستهدف التعويضات فقط، وإنما «إلى جانب تحميل مَن يمولون الإرهاب المسؤولية فإن القضية تمثِّل رادعًا قويًّا للآخرين الذين قد يفكرون في ارتكاب مثل هذه الممارسات». أختلف مع ما ذكره «بيرلس» عن أهداف القضية، وأحسب أن الجانب المالي هو ما يحركهم في الوقت الحاضر. أما تحميل مَن يمولون الإرهاب المسؤولية فهو أمرٌ مختلف، وأحسب أن وقته لم يحن بعد للحكومة الأمريكية. ملف قطر في تمويل الإرهاب مليء بالقضايا المتنوعة والموزعة حول العالم، وهي قضايا كفيلة بإغراق النظام وكل من له علاقة بملف دعم وتمويل الإرهاب وغسل الأموال.
أعتقد أن نوفمبر القادم موعد الانتخابات الأمريكية ربما يشهد التحول الجذري في الملف القطري والإيراني على حد سواء، فإما مواجهة مباشرة مع داعمي وممولي الإرهاب الدولي، وإما مهادنة واحتواء يمهدان لاستكمال المرحلة الثانية من (الربيع العربي)، وهو أمر يستوجب التحوط منه ومواجهته مبكرًا.