عبده الأسمري
المعرفة أهم «مغنم» بشري يصل إليه الإنسان في حياته ومنها تنطلق كل معاني الفهم والاستيعاب والعيش مع كل اتجاهات المؤثرات والاستجابات.
فمتى ما عرف الشخص فطرته ونكص إليها وتعرف إلى نفسه واستشرف ميوله فإنه سيصل إلى توجيه بوصلة «اهتمامه» وتحويل قبلة «هممه» نحو الأهداف التي تناسب شخصيته وإن لم يصل إلى «المعرفة» الصحيحة لذاته فإن هويته ستضيع بين «قياس» مختلف ما بين طاقته وقدراته ومستوى الواقع فيرتمي في «الضياع» النفسي وقد يصل إلى مرحلة «الزعزعة» الذاتية التي تجعله «شخصًا» دون هدف.
في السنوات الأخيرة اختلط القابل بالمقابل.. فهوت مفاهيم «المعرفة» إلى منحدر «المصالح» ودوت صرخات «الثقافة» في قعر «النسيان».. فتحولت ساحة «المهن» و»مساحة» الاحتراف» إلى مسرح مفتوح من دون «تذاكر» ومرتع مسموح دون اشتراط فرأينا المهرج «إعلاميا» و»الفارغ» مثقفًا و»الساذج» مدربًا فطغت «غمة» التسطيح ومظلمة «المهنية» وغادرت «النزاهة» ميادين الأصول وتنحت «الحيادية» عن محافل المنطق.
احترام «الأدباء» وتقدير «المثقفين» وتعبير «الحكماء» مهمات سامية تعكس «رقي» المجتمعات و»ارتقاء» الجماعات.. التي تحرص وتحمي صروح «الاحتفاء» بأصحاب القلم ومالكي الرأي وأبطال الكلمة وتناضل في أبعاد «الفضوليين» و»السفهاء» من أنوار المعارف حتى لا يطمسوها بظلالهم الغريب ويشوهوها بتطفلهم الأغرب حتى تكون تلك «المواقع» محمية من هجمات «الجهلاء»
المعرفة «هوية» يكسبها صاحب «العلم» ويملكها عاشق «التعلم» فينتمي إليها ويسكن في قلبها النابض بالبحث والتحليل والتحاور والتناقش والتجديد والابتكار. وهي «هواية» يترابط معها مالك «الفكر» وينتمي إليها رفيق «التدبر» وصولاً إلى إشباع «الطموح» واتباع «الوضوح» في منهجية التفكير واحترافية التدبير في حياة تتحول فيها «المعارف» إلى «مصارف» مستديمة ومفتوحة «الأرصدة» للنيل من خزائنها المشبعة بالمنافع والمتشبعة بالفوائد.
ما بين مشارب المعرفة ومآرب الثقافة وسائل فكرية تعتمد على «الحق» وتتعامد على «الصدق» في سبر أغوار البحوث وبحث أسرار العلوم.. للمضي نحو بناء «صروح» المعاني في الابتكار وتوظيف «طموح» التفاني في الاقتدار لإعطاء «البشرية» نصوصًا جديدة من المعارف وإهداء «الإنسانية» فصولاً مديدة من المشارف.
تأصيل المعرفة فعل أمر مبنى على المتون والفاعل مرفوع بالهمة ومشفوع بالمهمة وهو «المثقف «الذي يجب أن يكون «المسؤول» الأول عن حماية أسوار العلم من غارات «الفضول» وجباية إظهار التعلم من أبعاد «الحلول» حتى نسمو بمشروعاتنا المعرفية وإيصالها إلى «قمم» الانفراد.. فالدرب مشفوع بالتميز والتنافس مشروع للامتياز كي نرفع استعدادنا أمام «تحديات» متوقعة ومفاجئة تستوجب «الصمود» الثقافي أمام «الجمود» الرجعي الذي تتبناه جماعات «الجهل» ومجمعات «الجدل» تعاني المعرفة من مد «التضليل» وجزر «التأويل» الذي تقف وراءه الذاتية المفرطة والأنانية المقيتة اللتان تتعاملان مع شؤون «الأدب» بتقمص المحاكاة وتزييف المشاركة وهما في الحقيقة خارج حسابات «الانتساب».
بين التأصيل والتضليل تبقى المعرفة في قطبية من جذب نحو المنطق وشد إلى الفراغ.. فالأسس والأصول العميقة تبنى المعارف الأصيلة النبيلة القوية ذات الأعمدة الرأسية على أرضية السداد أما محاولة الانتماء الفاشلة لميادين الثقافة والأدب من قبل «الفارغين» معرفيًا و»التائهين» أدبيًا و»الضائعين» ثقافيًا فهي معادلة من طرف واحد عندما تلفظ المعرفة كل الشوائب وترفض كل الرواسب التي تشوه وجه الحقائق وتغير رداء الدلائل.
المعرفة.. الاسم الجامع لكل موجهات «التطور الفكري» واتجاهات «التطوير البشري» المنطلق من العقل المسجوع بالتجديد والمدفوع بالتسديد في منطلقات «الحوار» وانطلاقات «النقاش».
تًاصيل المعرفة مهمة فكرية إستراتيجية لمنع هجمات «التدخل» ووقف اجتهادات التداخل من معسكرات «الدخلاء» على مملكة «الإبداع» ليبقى «الجهلاء» في معزل و»الجهل» في عزلة لترتقي ثقافتنا وتعلو قيمنا وتسمو أهدافنا بالمعارف وصولاً إلى أعلى درجات «الوعي» وأبهى مشاهد «الفكر».