د. حسن بن فهد الهويمل
ويتواصل حديثه عن فواجع الخليج, وحروبه المدمّرة, ودور (الملك فهد) -رحمه الله- الذي تحمَّل الصدمة بإرادة فولاذية, وحرَّر الكويت, محبطاً كل التواطؤات المشبوهة, والتوقعات المحبطة. وعاد الكويت حراً, كريماً.
قَدَرُ المملكة العصيب يكمن في مسؤوليتها عن حفظ التوازن في المنطقة, وحماية الخليج من أطماع الطامعين.
في عهد (الملك عبدالله) -رحمه الله- تصدت المملكة لما هو أهم, وأنقذت (البحرين) وذلك حين أعطت (أمريكا) الضوء الأخضر للحكم الطائفي بدعم من المجوسية الرافضية, إذ أمر -رحمه الله - بدخول (درع الجزيرة) في اللحظات الحاسمة.
لمحات معاليه خليط من سرد الأحداث الداخلية المهمة, والخارجية الأهم, وتوثيق دقيق لكثير من المواقف الحرجة, في حياة البلاد, وتقويم سديد لكثير من اللحظات العصيبة.
حين تحدث معاليه عن عامي الحزن 1432 - 1433هـ المتمثلين بوفاة الأميرين (سلطان، ونايف) رحمهما الله, أطال الحديث عن مآسي (الربيع العربي) الذي استفحل, وبخاصة ما يحدث في (سوريا).
لقد ساءته الحيادية السلبية من بعض الدول العربية, والإسلامية. وعيه الدقيق لكافة الكوارث يجعله يتحدث بمرارة عن مآسي أمته.
لقد شغله الجانب السياسي, لارتباط الرابطة به, ولم يكن راوياً وحسب, بل كان محللاً, ومقوِّماً.
من أشواط السيرة الممتعة, والمفيدة حديثه عن علاقته مع علماء الأمة, وهي أشواط تنضح بالوفاء, ومعرفة الفضل لذويه.
لقد كان بارعاً في لقطاته لزوايا مهمة من حيوات كبار العلماء, إذ تحدث عن عشرات العلماء من الداخل, والخارج, حديث الأنداد عن الأنداد. ألمح للبعض, وفصل القول للمهيمن منهم.
وأجمل أشواط السيرة, حديثه عن الرجال, وخصوصاً أنه حديث خبير خالط, وشارك, وزامل.
تجلت خبرته, ودقة ملاحظته, وواقعيته, ومصداقيته, وإنصافه في التقويم. وتاريخ الرجال جزء من التاريخ الحضاري للأمة, لأنه يتحدث عن البعد المعرفي, والعلمي, والعملي, وهذا لا يتأتى إلا لمشارك اكتشف المواهب, والقدرات, وقدرها قدرها.
كما تحدث عن (ملوك البلاد) الذين لقيهم, وعمل معهم, وتلقى توجيهاتهم, واكتشف جوانب من اهتماماتهم, لم يكن حديثة نمطياً, يقوم على الثناء. إنه حديث الخبير الذي خالط, ورافق, واضطلع بكافة المسؤوليات.
سيرة جمعت, فأوعت: دينية, وسياسية, وعلمية, واجتماعية, وإدارية.
وبراعة تصويره, وتجسيده تتمثّل في إسهاماته المتميزة في مختلف النهضات التي مرت بها البلاد, إنه عضو عامل, وكفاءة وطنية.
أمَّا (جامعة الإمام) فعالم آخر, إنها بضعة منه, ونبتة من نبتات معاليه, أفنى فيها آخر شبابه, وبداية كهولته, دارساً, ومدرساً, وعميداً, ووكيلاً, ومديراً. وحكايته عنها, وعن من عمل معه فيها حديث من خبر دقَّها, وجِلَّها, واستغل كل إمكانياتها لتكون جامعة عالمية, وقد كانت بفضل جهوده المتميزة.
لقد برزت إمكانياته, وتجلت مواهبه في أروقتها, وكم أود من القائمين عليها رد بعض الجميل له, بحيث تُسمى باسمه قاعة, أو مكتبة, وهذا أقل الواجب, لقد أنجز مشروعاً علمياً, لا ينازع, أمَدَّ أجهزة الدولة بالكفاءات العلمية.
كما استقطب لها كفاءات عربية, أضافوا لسمعتها سمعة, ولأصالتها أصالة.
وحديثه عن الكفاءات العربية ممن مُنِحوا الجنسية, أمثال (عفيفي) و(الشنقيطي) وعينوا في أعلى المؤسسات, العلمية كـ(هيئة كبار العلماء) دليل انفتاح الدولة على الكفاءات العربية, والإسلامية, وثقتها بنفسها وبهم, وعدم قصرها على السعوديين أصالة.
كنت أود تناول شخصيات لا تقل عن (عفيفي) و(الشنقيطي), كالمحدث (محمد ناصر الدين الألباني) والشيخ (مناع القطان). معالي الشيخ (عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري) وفَّاه حقه ثناء, ولكنه لم يفصل مسيرته التي عاشها, وعايشها معه.
سمو الخلق المعهود عند معاليه, حَمَلَهُ على صرف النظر عما لاقاه من الخصوم, وتلك خليقةُ البُناة, الذين لا يحملون الحقد, بل لم يجد الغل مكاناً في صدورهم.
- فأين نحن من سيرة أكبر فيلسوف وجودي عربي (عبدالرحمن بدوي) الذي حول سيرته إلى معلقة حطيئية, شتم فيها كل الأنداد, وكشف عن سوءآته, وسوء خلقه؟
- وأين نحن من سِيَرٍ إسقاطية, تنصلية؟
من الأشواط الدلالية الممتعة, والمفيدة حديثه عن زياراته الرسمية لدول العالم, وحديثه لم يقتصر على سرد الأحداث, بل التقط العبر, وحلل الأحداث, وقدم النصائح, ووصف الزعماء الذين قابلهم وصف الخبير المجرِّب.
ما لم أكن أتوقعه, إهماله الحديث عن شروعه العلمي الأهم, وهو تحقيق أمَّات الموسوعات: الفقهية, والحديثية, والتاريخية (المغني, والبداية, والمسند).
إنه مشروع متميز أشرت إليه في محاضرتي عن دورنا في المشاريع الثقافية, وألقيتها في مجلس الشيخ (حمد الجاسر) -رحمه الله - وحضرها معالي الدكتور (الخويطر) -رحمه الله- ومعالي الدكتور (الضبيب) بارك الله له فيما بقي من عمره.
إنها سيرة علمية تشبه (سِيَر أعلام النبلاء) ولكنها لم تكتمل بعد. (جامعة الإمام) تحتاج المزيد, (مشروع التحقيق, والطبع) يستحق إفراد كتاب مستقل.
- كيف بدأه؟
- وكيف قاد فريق العمل فيه؟
أتمنى من قسم الأدب بـ(جامعة الإمام) تحريض طلبة الدراسات العليا على تناول هذه السيرة الدسمة, فكل الصيد في جوف الفراء.