د. محمد بن عبدالله آل عمرو
تضمن التقرير الشهري البياني لوزارة العدل عن شهر جمادى الآخرة 1441هـ إحصاء عقود النكاح بـ(13.060) عقدًا مقابل إحصاء صكوك الطلاق بـ(7.482) صكا وبنسبة 57 في المائة.
وسوف أخذ هذا الإحصاء عينة ممثلة عن بقية الأشهر لغرض كتابة هذا المقال.
إن هذه الأرقام تعني أن لدينا في المملكة ما يصل إلى نحو (250) أسرة تتفكك يوميًا، مخلفة الكثير من المآسي سواء للزوجة، أو للزوج، أو لكليهما، أو لأطفالهما، وربما يترتب على ذلك مآس اجتماعية، وأمنية أخرى، لا يعلم حجمها ومداها إلا الله تعالى.
وإن هذه الأرقام من جهة أخرى تشير إلى فشل أكثر من نصف حالات الزواج، وهذه النسبة مؤشر خطير على مدى قدرة الأسرة السعودية على التماسك، والقيام بدورها في بناء وتكوين مجتمع المستقبل.
وهي كذلك مؤشر على الفشل في منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية الضرورية لتحقيق مفهوم السكنى ولنشوء المودة والرحمة بين الزوجين التي أشار لها القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إليها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّة وَرَحْمَة أن فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
ومن عجبٍ ما وجدته من تردد لدى «الشؤون الاجتماعية» في اختصاصها بمواجهة ظاهرة الطلاق ومعالجتها، فعند البحث عن الدراسات السابقة حول هذه المشكلة في المملكة وجدت خبرا مصدره وكالة الأنباء السعودية ومفاده: افتتاح معالي وزير الشؤون الاجتماعية في يوم الأربعاء 07 - 01 - 1429هـ ندوة حول (الطلاق في المجتمع السعودي)، للبحث عن الأسباب والبواعث للطلاق واستئصالها، وكذلك وجدت خبرا آخر نشر في جريدة المدينة بتاريخ 17 - 03 - 1432هـ مفاده: تأكيد مدير إدارة الشؤون الاجتماعية في المنطقة الشرقية على أن حالات الطلاق ليست من اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية، وقال: إن قضية الطلاق ليست مرتبطة بجهة معينة، وإنه لم يصل إليهم ما يؤكد أن الطلاق أصبح ظاهرة في المجتمع السعودي، فإن كان الخبر الأول يمثل عناية الوزارة بظاهرة الطلاق فقد تأخرت كثيرًا في اقتراح نظام يحكم أطرافها، وإن كان الخبر الثاني هو حقيقة موقف الوزارة فقد تُرِك الحبل على الغارب حتى أصبحت الظاهرة بهذا الحجم الإحصائي مهددة كيان الأسرة السعودية.
ويبدو في واقع الحال أن ظاهرة الطلاق لم تحظ بجهة رسمية حاضنة لها، تختص بدراستها، وتشخيص أسبابها، واقتراح الحلول المناسبة لها، ثم وضعها في نظام ضابط لها، يحكم كل ما يتعلق بهذه الظاهرة من حقوق للزوجة وللزوج وللأطفال، ويعالج التبعات الاجتماعية والصحية والأمنية الناجمة عنها؛ ولذلك ظلت هذه المشكلة تتدحرج وتكبر ككرة الثلج دون أن يوقفها أحد، فالشؤون الاجتماعية كما في التصريح السابق ترى عدم اختصاصها بهذا الموضوع إضافة إلى قناعتها أن الطلاق لم يبلغ حد الظاهرة على حد قول ذلك المسؤول؛ ووزارة العدل ينحصر اختصاصها في إثبات حالات الطلاق وإحصائها، إلا أنها اتخذت في السنوات الأخيرة بعض الترتيبات التنظيمية المهمة للتخفيف من آثار الطلاق على الزوجة والطفل، ومن أبرزها قرار معالي وزير العدل بألا طلاق إلا بحضور الطرفين أمام المحكمة.
وقد أجريت بعض الدراسات العلمية في بعض مراكز البحوث في الجامعات، وفي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وبعض الدراسات التي قام بها باحثون مستقلون، غير أنه لم يُستفد من نتائج تلك الدراسات لبناء نظام يحكم علاقة الأطراف ذوي العلاقة ببعضهم للحد منها وجعلها في الحدود الدنيا الطبيعية.
وقد سررت بوجود مقترح «مشروع نظام لمكافحة العنوسة والطلاق» يدرس في مجلس الشورى، أعده عضوا المجلس سمو الأمير الدكتور خالد بن عبدالله آل سعود، والدكتور خالد بن منصور العقيل، وفقًا للمادة (23) من نظام المجلس، ولكن يبدو أن ذلك المشروع يواجه بعض التحديات في المجلس، حيث تم في البداية دراسته في لجنة شؤون الأسرة والشباب، ثم أحاله المجلس إلى لجنة خاصة في 04 - فبراير - 2020م، فلعل هذه اللجنة توفق في تقديم دراسة وافية للمقترح وفي تقديم التوصيات الملائمة التي تحظى بموافقة المجلس عند العرض والتصويت على مشروع النظام.
خاتمة لسُعدى زوجة الوليد بن يزيد بعد ندمه على طلاقها:
أتبكي على سُعدى وأنت تركتَها
فقد ذهبت سُعدى فما أنت صانع؟