عبدالعزيز السماري
سرت أخبار أن هناك متاجرة في السوق بأسعار فحص الكورونا في بعض المؤسسات الصحية الخاصة، وأن الوباء تحوّل إلى فرصة لتكوين الثروات في أسرع وقت ممكن؛ لأن الإنسان في الأزمات سيدفع ما يملك من أجل النجاة من المرض، وهي قضية تتداخل فيها أخلاقيات العمل ومواقف الإنسان من مخاوفه. وتلك قضية حيرت العلماء والفلاسفة؛ فالإنسان يبرر منافعه مهما كانت غير سوية، ويحاول إيجاد مخرج في رحلة البحث عن الثراء والسكينة في الوقت نفسه.
فوجئت بأن الرد على أحد الذين اتهموا المؤسسة الصحية الخاصة بالمتاجرة كان متخمًا بالدليل القرآني القاطع، وذلك عندما وضع عنوانًا له بآية كريمة، ليس لها علاقة بالأمر، واتهامه صاحب الخبر بالفسق، وكأنه يحاول تزكية موقفه أيًّا كان باللجوء إلى النص القرآني، بينما كان الواجب أن ترفع المؤسسة الصحية الخاصة قضية ضد من اتهمها بالتلاعب بالأسعار، والقضاء كفيل برد الاعتبار إذا لم يثبت المدعي اتهامه..
ربما لهذا السبب كان خروج القانون كمرجعية عليا في المجتمع بمنزلة انفراج في تنظيم العلاقات في الحياة، واستيفاء الحقوق؛ وبالتالي عدم استغلال الدين أو الجاه أو المال لتبرير موقف غير أخلاقي مخالف للقانون، وقد كان - ولا يزال - شائعًا في بعض سلوكيات الناس أن التاجر المتدين أو الذي يظهر عليه الدين هو الأكثر مصداقية، بينما تعلمنا منذ البدء في التاريخ أن التدين والثراء كانا متلازمَين، ويحتاج أحدهما للآخر..
هي دعوة لتجريد القانون من الألوان والأنماط، وأن يكون بمنزلة المظلة على الجميع؛ وذلك ليكون غير منحاز. فعلى سبيل المثال اتهم المدعون في إحدى الولايات الأمريكية رئيس شركة تكنولوجيا طبية، مقرها كاليفورنيا، بخداع المستثمرين، وتقديم مطالبات احتيالية لفحوصات فيروسات كورونا، ويزعم أنه حقق 69 مليون دولار أمريكي. ويمثل ذلك أحد أهم مرتكزات تطبيق القانون على الجميع، وهو الفحص المتتابع لمختلف العمليات المالية في السوق أثناء الأوبئة والحروب..
كانت الصدمة الأخلاقية في المجتمع الطبي في منتهى الوضوح في مسألة الصراع حول الظفر بالدواء المعالج لكورونا؛ فقد بينت دراسة فرنسية، تمت فيها مقابلة آلاف الأطباء في فرنسا، وأظهرت في استنتاجًا صادمًا، وفي غاية الغرابة، هو وجود علاقة ارتباط بين المبلغ الذي يتلقاه الطبيب في فرنسا من شركة جلعاد الأمريكية والموقف المعارض لاستخدام هيدروكسي كلوروكي المنافس لدواء الشركة..
كان الرفض لاستخدام الدواء الرخيص على قدر المبلغ الذي يناله الطبيب؛ فكلما ارتفع المبلغ زادت درجة الرفض. وكانت درجة استغرابي ارتفاع المبالغ التي توظف الشركة من خلالها الأطباء في مواقع محددة لخدمة أغراضها؛ لذلك لا بد من فتح الأعين، ومراقبة أرصدة المنتفعين من ميزانيات شركات الأدوية؛ فالأمر لا يدخل في مسألة الأخلاقيات فقط، ولكن في مسائل مخالفة القانون والنظام، الذي قد يكون ضارًّا للمرضى والناس والوطن.
أدرك الفلاسفة والمؤرخون أن الحديث من خلال خطاب أخلاقي، أو الادعاء بالتظاهر بالمحافظة والنزاهة، لا تعنيان أكثر من نافذة يدخل من خلالها اللصوص لسرقة الأموال. فالتناقض بين النظرية والممارسة أمر يكاد يكون أقرب للفطرة الإنسانية، ولا يخرج منه إلا ندرة، وقد لا يخرج؛ ولهذا السبب على وجه التحديد يجب أن يكون القانون فوق مختلف الألوان والأخلاقيات والشبهات ودرجات الثراء والجاه والتدين.