م. بدر بن ناصر الحمدان
الراصد للتغيُّرات الأخيرة في بيئات العمل على مستوى أغلب القطاعات العامة والخاصة، سيكتشف تبايناً بين أفراد الجيل الجديد من الموظفين والموظفات، فئة منهم أشخاص رائعون ومميزون جداً ومحترفون وراقون ومهذبون وعلى قدر كبير من المسؤولية والتأهيل والقدرات والمهارات التي استطاعوا بها وخلال فترة وجيزة إحداث نقلة نوعية في تطوير أساليب العمل وتقديم مبادرات وأفكار مبتكرة كان لها دور رئيس في إدارة التغيير والتحول في عقلية الإدارة والتنظيم، وبرهنوا وبشكل قاطع على كفاءتهم وأهليتهم لشغل وظائفهم ومسؤولياتهم، وأحقيتهم كجيل شاب «مُتزن» و»ناضج» في قيادة المرحلة الحالية من دورة حياة الأعمال، وكلنا ثقة بأن المستقبل سيكون حافلاً بهم.
أما الفئة الأخرى - والتي نحن بصددها - فهم أولئك الراكضون في الممرات دون هوادة، تعرفهم بحقائبهم «الوردية» التي على أكتافهم، يحملون بيد كوب قهوة فارغاً، وبيد أخرى حاسباً محمولاً، وبيد ثالثة هاتفهم الجوال، وفي فمهم أقلام ملوّنة، وأفواههم مفتوحة، يوحي مشهدهم وكأنهم في قمرة التحكم بوكالة «ناسا»، تلمح في عيونهم نظرة تعالٍ، وفي أذانهم ما فيها من مكبرات صوت وكيابل منسدلة على رقابهم، يرتدون في الغالب أحذية حمراء أو زرقاء، ينتقلون من مكتب لآخر، ومن ردهة لأخرى، يدخلون اجتماعاً ليخبروك أنهم مضطرون للذهاب لاجتماع آخر، يومهم مليء بالضجيج وإشغال الآخرين بـ «الكي بي آيزس»، والـ «فلو أب» من أجل جدول «إكسل» جلّ بياناته خاطئة، أو عرض «بوربوينت» 90 % من محتواه منقول من مواقع الإنترنت ولا يمت للواقع بصلة، وقتهم مُهدر في مشاهدة اليوتيوب خلال ساعات العمل، والثرثرة على الدرج، والجلوس على الأرض، ويتوهمون أنهم يحاكون بيئة عمل «قوقل»، ويتعمدون الخروج من مكاتبهم مع حلول المساء من أجل صورة سناب شات في مواقف السيارات يكتبون عليها «لونق دي»، بريدهم الإليكتروني لا يعمل إلا بعد منتصف الليل وفي إجازة نهاية الأسبوع، ويسوّقون أنفسهم على أنهم مشغولون جداً، ولا وقت لديهم لشرب الماء.
أكثر ما سمة تميز هذه الفئة أنها «غير منتجة»، وليس لدى أفرادها أدنى استعداداً للتعلّم أو التدريب على ما بين يديهم من عمل وواجبات، وفوق ذلك لديهم الجرأة على القول فيما لا يفقهون فيه تأويلاً، غالباً ما ينظرون للآخرين ممن سبقوهم وكأنهم قادمون من «الجاهلية» أو من بقايا «عام الفيل»، يعتقدون بداخلهم أنهم يقومون بدور عملي فاعل، ولكن في الواقع هؤلاء يعيشون حالة من الفشل الذريع في التركيز على الأهداف، وإخفاق في إدارة الوقت وتنظيم المهام وتحديد الأولويات، وعدم النضج في مهارات اكتساب المعرفة وممارسة التجربة العملية بإتقان.
ليست العبرة هنا بما تُظهره من مؤشرات وسلوكيات تحاول أن توحي بها لمن هم حولك في بيئة العمل أنك عارف ومُنجز وتعمل، بل العبرة بما تمتلكه من علم، وما أنتجته من عمل «ذا قيمة» في نهاية اليوم، حتى لوكنت ترتدي «خيشة» فوق رأسك.
نسيت أن أقول لكم أن فطورهم «الفوندو بالجبن»، وفطائر «الفولوفون» وشيء ثالث يتناولونه في استراحة الغداء يشبه اسم «باتستوتا» لاعب الأرجنتين، سأبحث عنه في الأنترنيت وأخبركم به لاحقاً.