عمر إبراهيم الرشيد
عندما بدأت بعض القنوات الفضائية العربية ومنها سعودية وأقصد بها غير الحكومية بالطبع، بثت مسلسلات مكسيكية ولاتينية منتصف التسعينيات الميلادية تمتد حلقاتها على مدى أشهر، كنا نتندر ويفعل كذلك إعلامنا المحلي انتقادًا لتكثيف وتكرار أحداثها والهدف في المقام الأول تجاري بطبيعة الحال. التقليد الممسوخ لحق بكثير من الأعمال الدرامية والبرامج على امتداد الفضاء العربي، كما لحق بغير الدراما وفي مجالات عدة.
مسلسل (مكسيكي) بنسخة سعودية، هذا ما خطر على بالي وأنا أشاهد مسلسلاً تبثه قناة هي أكبر مستورد للأعمال الدرامية الخارجية والبرامج الأجنبية التي تعيد تعليبها وعرضها. مسلسل خمس نجوم إذا شئتم التعبير، البيوت قصور، وعرض للأزياء وبهرجة وسيارات فارهة وغيرها. إلا تعجبون من إقبال بل حرص الجمهور على متابعة أعمال درامية مر عليها عقود من الزمن وهي تعرض أكثر من مرة في السنة وعلى عدة قنوات، ومع ذلك لا يملها الناس بل يعتبرونها سلواهم إضافة إلى ما تقدمه من رسائل اجتماعية بقالب كوميدي، ومسلسل (درب الزلق) و(عتاوية الفريج) مثالان لا يختلف عليهما اثنان. هناك حكمة أجنبية تقول (كن أنت)، هكذا باختصار ودلالة عميقة في نفس الوقت، لا أحد يتقبل التصنع وليس هناك أجمل من العفوية والبعد عن التكلف، ولا يعني هذا إهمال النواحي الجمالية في العمل الدرامي أو البرامجي وحسن اختيار الديكور والخلفية البصرية للعمل، بل هو مكون أساسي قد يفقد العمل بدونه بعض رونقه وتأثيره. لكن ما قصدته من المسلسلات سريعة التحضير الحالية هو البهرجة البصرية وتصوير المجتمع السعودي وكأنه خارج الجزيرة العربية، وضرب ثقافته وتقاليده بعرض الحائط ولمجرد جذب المعلنين - كما هو قانون العمل الإعلامي بكل أسف - وشد أكبر شريحة ممكنة من المشاهدين. كنت قد كتبت هنا في مقالي السابق عن قناة (ذكريات) التي أعادتنا إلى تلك السنين الخوالي وجمال وصدق ورصانة كثير من الأعمال قبل ثلاثة عقود وأكثر، وصحيح أن الأعمال الحالية تفوق تلك القديمة من الناحية التقنية، إلا أن محتوى الكثير من الأعمال القديمة أقوى، على أن بعض الأعمال الحالية يستحق الإشادة والتقدير محتوى وشكلاً ولا أعمم بطبيعة الحال. كلما كان العمل الدرامي قريبًا من واقع المجتمع متحسسًا لشؤونه وشجونه كان أقرب إلى قلوب وعقول الجمهور، مع مزجه بقليل من الخيال المحفز للتفكير والتحليل والإحساس الجمالي، وهل قام الأدب العالمي الروائي والمسرحي والشعري إلا على هذه الثنائية المتمثلة في الواقع والخيال المبدع!.. إلى اللقاء.