سمر المقرن
وكأن كورونا بما يحمله من خيرٍ وشر، قد أصبح كاشفاً لمعادن الأشخاص بوجودهم وجهاً لوجه لفترات طويلة بسبب العزل المنزلي، الذي لا بد ولا مفر منه. فتتصاعد صرخات واستغاثات النساء والأطفال من أماكن عدة في أنحاء العالم للتعنيف ضد النساء والأطفال، ليتحول الوباء الغامض وللأسف لأداة جديدة يستخدمها المعنفوّن للقهر والإيذاء الجسدي والمعنوي أكثر. وللأسف.. مع سقوط ضحايا جدد للوباء الغامض اللعين وفي ظل شعار لا صوت يعلو فوق صوت مكافحة كورونا هناك ضحايا من نساء وأطفال حول العالم لجناة من أزواج أو «أشباه رجال» لا يهزهم وباء ولا موت، مستغلين ظروف الحجر الصحي والحظر لممارسة جبروتهم وعنفهم بلا رحمة على جناة غير قادرين حتى على مغادرة مسرح الجريمة رُغماً عنهم، فرائحة الموت تحاصرهم من كل مكان والنماذج كثيرة حول العالم فتواردت أنباء عن تلك الأم الإسبانية التي انتحرت مع طفليها في الشارع هرباً من تعنيف زوجها، وسمعت استغاثة سيدة فرنسية من زوجها السكير، وتواردت أنباء عن فتيات عربيات يخشى آباؤهن من التبليغ عن إصابتهن بكورونا لأن هذا يسيء للعائلة؟ أي ظلم وجهل هذا؟ أعلم أن هناك ضغوطاً مادية واقتصادية ونفسية وعصبية قد تعاني منها بعض الأسر في أنحاء العالم، إلا أن هذا ليس مبرراً للعنف، فالتسلح بالصبر الجميل والتغافل عن عيوب الآخرين وانشغال الإنسان بإصلاح عيوبه بدلاً من البحث في عيوب الآخرين، لنعبر بسفينة النجاة حتى لا نغرق جميعاً في حربنا ضد الوباء.
لست أمام دراسات أكاديمية أو إحصاءات توثِّق بالأرقام عن زيادة حالات العنف داخل المنزل في هذه المرحلة، إلا أن هناك مؤشرات واضحة، ففي بريطانيا مثلاً أعلنت لويزا رولف نائب رئيس الشرطة في منطقة ويست منلاندين أن حالات العنف المنزلي ضد النساء في تزايد لديهم بسبب كورونا، كما أعلنت أستراليا عند كتابة السطور تخصيص 60 مليون دولار للتصدي للعنف المنزلي بعدما سجّلت الأجهزة المختصة هناك ارتفاعاً في الانتهاكات بسبب الحجر المنزلي، وأن هناك انتهاكات غير مسبوقة أظهرها الخط الساخن للعنف المنزلي منها زوجات أجبرهن أزواجهن على غسل أيديهن حتى أدمت، ونساء أخريات هددهن أزواجهن بإلقائهن في الشارع إذا ما بدأن السعال أو ارتفعت درجة حرارتهن! كما صرَّحت انيتا بهاتيا نائبة المدير التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة أن التقنية ذاتها التي نستخدمها لحماية الناس من الفيروس يمكن أن تؤثِّر سلباً على ضحايا العنف المنزلي!
وسط هذا الزخم من الأخبار الموجعة، والعالم كلّه يقف على قدم واحدة لمحاربة عدو واحد، ما زال الأشرار يستلذون بجرائمهم، مع أننا في مرحلة أراها فرصة متاحة لكل إنسان في هذه الظروف لمراجعة نفسه وتغيير طبائعه السيئة، فإن لم تتغير السلبيات في هذه الظروف متى ستتغير؟!