رمضان جريدي العنزي
الأدعياء خليط ومزيج، وأمرهم مريب، يدعون بأنهم نخب المجتمع وضميره الحي، وأنهم يملكون الرقة الناعمة، والإحساس الشفاف، والإبداع المغاير، وأنهم وحدهم المعهد والمدرسة، والحبر والمحبرة، والخبر والمطبعة، يجيدون التنظير الممل وينسبون لأنفسهم مبادئ وقيم ومثاليات وأخلاقيات وبطولات وصولات وجولات ومواقف، ثقافة التنظير تسيطر عليهم وتستوطن أدمغتهم ومفاصلهم، ينظرون ويتفلسفون ويسهبون بامتياز تام لكنهم لا يجيدون الفعل والعمل ومواقفهم كلها باهتة كسيحة وواهنة، الأدعياء يحاولون أن يجعلوا من أنفسهم معلماً ومنارة ونبراساً، يحاولون أن يكونوا البوصلة والوجه والاتجاه والريح الدافعة، يحاولون أن يكونوا المرشد والدليل، يحاولون أن يكونوا المرمى والهدف في آن، وما علموا بأن المتلقين عندهم مدارك واعية، وعقول فاحصة، ويميزون بين حبة القمح وحبة الشعير، الأدعياء يجيدون التزمير والتلفيق وأصواتهم في ذلك عالية يدعون العقلانية وامتلاك الحقيقة ويقدمون أنفسهم كخبراء وأصحاب ممارسة وتجربة ويمجدون ذواتهم، متطفلين يضحكون على الناس ولا يتورعون أن يمنحوا أنفسهم ألقاباً (بلوشية) يضحكون بها على المغفلين والسذج بعيداً عن المعنى والمنطق، الأدعياء نراهم يتصدرون بعض المجالس والمناسبات والسناب وقروبات الواتساب بجهل مدقع ملبس ببضعة مصطلحات مما حفظوها شكلاً ونطقاً دون عمل محاولين إعطاء الآخرين انطباعا أنهم من أصحاب الفهم والحكمة والخبرة التي لا يشق لهم غبار بينما هم في الحقيقة زوبعة غبار عابرة، مثل هؤلاء الأدعياء ظهروا في مجالات متعددة كالإعلام والتدريب والتنمية البشرية والمقاولات والتعليم والطب الشعبي والطب الحديث وغيرها من المجالات الأخرى، وهم في الحقيقة أبعد ما يكونوا عن الأساس العلمي، وليس عندهم تأهيل ولا خبرة، هؤلاء الأدعياء لا يتورع أحدهم أن يسبق اسمه بلقب معين كـ (إعلامي) أو (مدرب معتمد) أو (خبير) أو (قانوني) أو (مستشار) وغير ذلك من الألقاب، (يترززون) بها أمام العامة، مثل هؤلاء يجب علينا أن نحذر من بهتهم وغشهم وتدليسهم، كونهم لا يعرفون سوى عشق الظهور والبروز، يعانون من نرجسية مفرطة، ويعيشون حالة التوهم المعرفي، أن كارثتنا مع هؤلاء أنصاف المتعلمين وأدعياء المعرفة، الذين دخلوا علينا بمصطلحات غريبة، وتنظيرات صفراء، وأجازوا لأنفسهم ما لا يجوز لغيرهم، مثل هؤلاء مثل قارئئ الكف وضاربي الودع، والطالع والنازل، والمداحين واهجائين، والانتهازيين ومتصيدي الفرص، هؤلاء جاؤوا بالصدفة، وولدوا من رحمها، فاحذروهم، ومارسوا معهم الحيطة، لا تقبلوهم ولا تجعلونهم يتكاثرون وينمون بينكم، وسدوا عليهم منافذ البروز عطفا على واقعهم الساذج وثقافتهم القاصرة.