عبدالرحمن الحبيب
«فكروا في هذا على أنه رومانسية ساءت» هذا ما جاء في كتاب «مواجهة القوى العظمى: كيف تهدد المعركة بين ترامب وشي بحرب باردة جديدة»، الذي صدر هذا الشهر لاثنين من مخضرمي مراسلي وول ستريت جورنال، الأمريكي بوب ديفيس والصينية لينجلينج وي؛ حيث كان لديهما إمكانية الوصول إلى صنَّاع القرار في البيت الأبيض ومجمع زونغنانهاي (القيادة)، على التوالي؛ مما يساعد في فهم أفضل لسياق الحرب التجارية ومستقبلها.
يذكر الكتاب أن علاقة أمريكا والصين تمثل قصة رومانسية أخذت بالتدهور التدريجي منذ سنوات قبل مجيء ترامب للبيت الأبيض، لكن ترامب صعَّدها حتى إنه جعل مما أسماه «اغتصاب» الصين للاقتصاد الأمريكي أكثر شعاراته صخبًا، ثم حملة التعرفات الجمركية على أكثر من نصف البضائع الصينية، لكن المعركة الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم «لم تبدأ مع ترامب ولن تنتهي به».
يتناول الكتاب القصة الداخلية للحرب التجارية بين أمريكا والصين، وكيف تفككت العلاقات بينهما؛ ويقدم تحليلاً للشخصيات والصراعات السياسية والمفاوضات المشحونة التي أسفرت أخيرًا عن «صفقة المرحلة الأولى» يناير 2020 بهدف إيقاف مؤقت للأعمال العدائية الاقتصادية. كما يحلل العلاقات الأمريكية الصينية، وكيف حدثت المواجهة؟ ولماذا تدهورت إلى هذا الحد؟ وأين تتجه؟ وماذا يعني ذلك للمستقبل؟
يتضمن الكتاب مئات المقابلات التي أجراها الصحفيان مع المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال في كلا البلدين على مدى السنوات التسع الماضية، وطرحا مجموعة كبيرة من المعلومات السرية، توضح كيف وصلت نقطة التحول في العلاقات الأمريكية الصينية، وما مقدار اللوم على الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين الذين لم يواجهوا الصين أو لم يتفاوضوا معهم بشكل فعَّال؟ وما الدور الذي لعبه القادة الصينيون، وقادة الأعمال الأمريكيون الذين عملوا لعقود طويلة كمجموعات ضغط في واشنطن وبكين، في إثارة التوترات بين البلدين؟ أهم مضامين الكتاب يمكن أخذها من المؤلفيَن أنفسهما عبر لمحات موجزة لحوار مستفيض معهما أجراه ديفيد باربوزا.
ما خلاصة المواجهة بين أمريكا والصين؟ إذا أوجزنا إجابة ديفيس، فهي: بمجرد انفتاح أمريكا على الصين بدأت الأولى تشكو من الواردات الرخيصة التي تحل محل الوظائف الأمريكية، ثم زادت الشكوى بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001. أما الشكوى الحقيقية من الجانب الأمريكي فهي أن الصينيين ينتهكون الملكية الفكرية الأمريكية. كما أن هناك ضغط على الشركات الأمريكية لتسليم التكنولوجيا، بينما تحصل الشركات الصينية على دعم حكومي. لذلك - يقول ديفيس - أعتقد أن ما تراه هو نوع من الصراع الكلاسيكي بين القوة الحالية والقوة الصاعدة التي تلعبها في المجال الاقتصادي والتكنولوجي.
وتضيف وي، بأن ثمة أيضًا صدام بين نظامين مختلفين جدًا. كانت هناك لحظتان فاصلتان بهذه الرحلة للعلاقة بين أمريكا والصين. إحداها الأزمة المالية العالمية عام 2008، مما وفر فرصة للقيادة الصينية للترويج لنموذجها الخاص. والثاني هو وصول شي جين بينغ إلى السلطة، وتركيز أجندته على «حلم الصين». يتعلق هذا «الحلم» بخلق صين قوية وموحدة، وعودتها كقوة عالمية. هذا هو المبدأ التوجيهي له على مدى السنوات القليلة الماضية. كان ذلك قبل سنوات من انتخاب ترامب بشعاره الخاص «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». لذا تسارعت التوترات بين البلدين.
كيف تطورت المواجهة؟ يقول ديفيس: أحد أركان النزاع يتمثل في الفجوة بالصادرات مقابل الواردات أو العجز التجاري الأمريكي، وهذا أهم ما يركز عليه ترامب، على الرغم من أن الإشكالية أوسع من ذلك بكثير مثل منح وصول أكبر للشركات الأمريكية إلى السوق الصينية؛ إِذ لا يمكنك تحريك العجز التجاري كثيرًا من خلال السياسة التجارية فهي تتأثر بأشياء أخرى.
ما نتائج هذه الحرب التجارية حتى الآن؟ هل يوجد فائز؟ ديفيس: لم يفز أحد.. نعم، هناك بعض المكاسب من المنظور الأمريكي من حيث الملكية الفكرية والوعود بالمشتريات الزراعية، ولكن بأي ثمن؟ إنه ثمن بخس، فعلى مدار عامين تدهورت العلاقات، ثم ازدادت سوءًا بسبب كورونا وهونج كونج. الولايات المتحدة كسبت قليلاً فقط.
أما وي فترى أن هذه الحرب التجارية تضر بالاقتصاد الصيني بشكل كبير. كان من المفترض أن تستفيد الصين بعلاقة سلمية من «صفقة المرحلة الأولى» والمضي قُدمًا، لكن جاء وباء كورونا وتضرر الجانبان. الرئيس شي أخبر القادة الأجانب أن هناك آلاف الأسباب لعلاقة صحيحة مع أمريكا، ولا يوجد سبب واحد لإفسادها. وهذا يفسر سبب إبرام الصين «صفقة المرحلة الأولى». على الجانب الأمريكي، لا يعتقد الكثير من الناس أن الصفقات تستحق الكثير ويشكّون في تحققها؛ بينما على الجانب الصيني، الناس ليسوا سعداء لأنهم شعروا بأن الصين قدمت تنازلات كثيرة. ولكن من الواضح أن الوباء فاقم الوضع وتوترت العلاقة أكثر، مما دعم مواقف المتشددين ومجموعات المصالح الخاصة في الصين التي لا تريد تغييرات في النظام.
يطرح الكتاب مسار الحرب التجارية من أوائل التسعينات إلى وقتنا الحاضر مرورًا بعقود من الصعود والهبوط أدى إلى علاقة خلافية شديدة في السنوات الثلاث الماضية، ومرشحة للمزيد من الاضطراب أو على الأقل لمستقبل غامض تبدو آفاقه غير مطمئنة للسلام والازدهار العالميين.