محمد سليمان العنقري
الأسبوع الماضي تجاوز مؤشر بورصة ناسداك الأمريكية حاجز عشرة آلاف نقطة لأول مرة تاريخيًا ويأتي ذلك بعد تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد العالمي أي أن ما حققته بورصة ناسداك تفوق كبير تجاوز هذه الأزمة وتداعياتها الاقتصادية وهي مؤشرات لم تكن متوقعة مع تعاظم التوقعات السلبية على الاقتصادين العالمي والأمريكي الذي فقد 40 مليون وظيفة جلها بقطاع الخدمات لكن هذه الارتفاعات الكبيرة بالبورصات الأمريكية عمومًا وناسداك خصوصًا لا بد أن تطرح تساؤلاً أكبر من الحديث عن أن ذلك بسبب المضاربات أو ردات فعل للهبوط الحاد بالأسواق الذي حدث قبل نحو الشهرين.
فبورصة ناسداك تجاوزت قيمتها 15 تريليون دولار وهي تضم أكثر من 3000 شركة جلها شركات تكنولوجيا وهو ما قد يفسر أبعاد هذه الارتفاعات الكبيرة والمتسارعة، ففي جائحة كورونا الحالية برز بشكل كبير أهمية دور قطاع التكنولوجيا في التصدي لتداعيات هذه الأزمة الصحية فقد نشطت التجارة الإلكترونية مع إجراءات التباعد الاجتماعي والإقفال الكبير للأسواق التجارية والكثير من الأنشطة الاقتصادية واتخذت إجراءات غير مسبوقة بحجمها حيث لجأت الحكومات وكذلك القطاع الخاص لاعتماد العمل عن بعد لتيسير الأعمال بأساليب عديدة منها الاتصال المرئي وطرق التراسل والتواصل المتعددة مما وجه أنظار المستثمرين لشركات التكنولوجيا على أنها ستقود الاقتصاديات بوتيرة وحجم أكبر مما حدث سابقًا مما يعني أن دور التكنولوجا سيتضاعف عدة مرات في حياة البشر بكل تفاصيلها خلال سنوات قليلة فقد أسست هذه الائحة للكثير من الأعمال التي ستتم عبر التكنولوجيا كالعمل عن بعد وكذلك التعليم وحتى العيادات الطبية سيزداد استخدامها للاتصال عن بعد مع المرضى وسيزدهر أكثر نشاط التطبيقات ليشمل توصيل كافة احتياجات الأفراد الذين سيزداد اعتمادهم عليها إضافة لدور ضخم لشركات الاتصالات في مجال البنية التحتية وخدماتها لتستوعب الكم الهائل من المعلومات التي سيتم نقلها مستقبلاً بكافة الأنشطة مع التطور المستمر لدور الذكاء الاصطناعي بمختلف الأنشطة والأعمال.
فهذا الاعتماد الكبير على التكنولوجيا سيعني دورًا أكبر للدول والشركات التي تمتلك هذه التكنولوجيا في قيادة الاقتصاد العالمي والتحكم بمصير اقتصاديات الدول التي ستكون فقط مستهلكة لهذه التكنولوجيا فاليوم نقرأ عمّا يقومون به من جمع بيانات عن مجتمعات الدول بسهولة من خلال الأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي فماذا سيكون عليه الحال مستقبلاً عندما تصبح أدق التفاصيل بالحياة تعتمد في تسييرها على التكنولوجيا فمهوم الحرية والاستقلالية الاقتصادية سيكون لمن يملك التكنولوجيا التي يستخدمها من خلال التركيز في الاستثمار والبحث العلمي على توطينها وإلا سيكون تحت ضغط قدرة الشركات العالمية على امتلاك أي معلومات يتم استخدامها عبر تقنياتهم التي يبيعونها للدول التي ستكتفي بالاستهلاك للتكنولوجيا.
الاقتصاد العالمي مقبل على ثورة تكنولوجية جديدة ستكون أضخم مما سبق بكثير وستكون القوة والسيطرة عالميًا لمن يمتلك التكنولوجيا التي ستعد أقرب ما يكون بالاستعمار الاقتصادي الحديث التي ستتوسع كثيرًا لتشمل كافة الأنشطة المالية والصناعية والخدمية وغيرها وهو ما يعني حربًا من نوع جديد ستزداد مستقبلاً بين من يمتلكون التكنولوجيا للحصول على أكبر حصة من الأسواق العالمية وما الحرب التي شنتها أمريكا على شركة هواوي الصينية إلا مجرد مقدمة لما هو قادم من مواجهات شرسة لمن يبحثون عن السيطرة على أكبر نصيب من الاقتصاد العالمي فكما تسيطر أمريكا بنظامها المالي عالميًا وبشركاتها العابرة للقارات وكذلك الصين صناعيًا فإن العالم سيتغير إلى أدوات جديدة بالسيطرة وذلك بسلاح التكنولوجيا.