مها محمد الشريف
عندما تأسست منظمة الصحة العالمية في عام 1948، وكان الهدف تنسيق الجهود الدولية لتحقيق أهم الأهداف للبشرية، بأن تكون الصحة للجميع. وهذه المنظمة التي تمولها دول العالم، ويعمل بها نحو سبعة آلاف شخص، يوجَدون في 160 دولة مع مكاتب إقليمية، ويدارون من مقرها في جنيف السويسرية، كان يعول عليها الكثير، وخصوصًا في زمن التكنولوجيا الحديثة، للمساهمة في القضاء على الأمراض السارية والأوبئة المستجدة. وقد تكون حققت نجاحات في مراحل معينة من عمرها إلا أنها في الجوائح لم تكن بمستوى يجعلها تقود الجهود الدولية بشكل صحيح؛ فتخبطاتها باتت واضحة مع جائحة كورونا؛ وليس أدل على ذلك من تناقضات تصريحاتها المتواترة عن الجائحة، وطرق العدوى والوقاية.
فالقصة بدأت عندما قالوا عن هذا الموقع الإلكتروني بأنه يحمل معلومات وإرشادات صادرة عن منظمة الصحة العالمية بشأن فاشية مرض فيروس كورونا (كوفيد 19) المندلعة حاليًا، التي أبلغ عنها لأول مرة بمدينة ووهان الصينية يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019. ويرجى المواظبة على زيارة هذه الصفحة للاطلاع على أحدث المعلومات عنها يوميًّا، ولكن المعلومات التي تقدم للعالم متناقضة، وبعضها مغلوطة.
بالنظر إلى التغيّر المهم في فهمنا لأنفسنا، وفي نوع التفاعلات التي تجري من خلال تكنولوجيات المعلومات والاتصال التي تتزايد في تعاملاتنا مع العوامل الفاعلة التي نثق في مصداقيتها، وجدنا أن منظمة الصحة العالمية تطلق تصريحين متناقضين: التصريح الأول أن حامل كورونا لا يعدي مخالطيه قبل أن تظهر عليه الأعراض، وفي تصريح آخر حامل كورونا يعدي مخالطيه قبل أن تظهر عليه الأعراض.
وفي الجانب نفسه، خاطب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم بأن المنظمة حجبت معلومات بشأن فيروس كورونا المستجد بعد ضغوط من الصين، ووصف المنظمة بأنها أخفت معلومات عن وباء كورونا كوفيد19، وأن التقرير يفتقر للمصداقية. وبلغت الأزمة بين الرئيس الأمريكي ومنظمة الصحة العالمية أن أثرت سلبًا على مستوى مصداقيتها من الناحية المعلوماتية. وبعد شد وجذب ظهر انتقاد أمريكي متكرر لعمل المنظمة، واتهامها بالانسياق وراء الصين فيما يتعلق بالفيروس الذي اجتاح العالم، وإنهاء علاقة الولايات المتحدة معها بسبب طريقة تعاملها مع أزمة فيروس كورونا. مضيفًا بأن المسؤولين الصينيين «تجاهلوا التزاماتهم بإبلاغ» المنظمة بشأن الفيروس، وضغطوا عليها «لتضلل العالم».
بالتأكيد ما سبق ينم عن فقد الثقة بالمنظمة بعد أن هدد أيضًا الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو بسحب بلاده من منظمة الصحة العالمية إذا لم تكف عن أن تكون «منظمة سياسية متحيزة». وعقار هيدروكسي كلوروكوين «عاد» بعد سحب دراسات «زائفة» بشأن فاعليته، وارتفعت حصيلة الوفيات من جراء فيروس كورونا المستجد إلى أرقام مرعبة في البرازيل؛ لتصبح ثالث أعلى نسبة في العالم متجاوزة بذلك عدد الوفيات في إيطاليا، وفقًا لأرقام رسمية أعلنتها. بعد هذا التضارب في المعلومات ما الذي يمكننا توقعه؟ هل ستطول التداعيات هيكلة وعمل المنظمة؟
ومن الطريف أنه توجد إشارات دالة على فشل ذريع لاحتواء الأزمة الصحية في العالم من المنظمة. مع العلم أننا نعيش في الوقت الراهن حقبة مثيرة من تطورات تكنولوجية لاهثة الخطى مع ثورة صناعية، ولكن يجرفنا الحماس بعيدًا عن حقيقة الأشياء؛ فهناك فقرة مشهورة في أحد خطابات ألبرت أينشتاين، تلخص جيدًا المنظور الذي يشترك فيه أي كيان، وحالته المعلوماتية، بما أنها شكل من أشكال الوجود الذي تدعمه أخلاقيات المعلومات؛ إذ يعتبر الإنسان جزءًا من الكل الذي يطلق عليه الكون، جزءًا محدودًا من الزمان والمكان، يفكر في نفسه وجميع الأشياء وفي المحيط الحيوي بحق متساو في الحياة والازدهار، وكذلك الأشياء غير الملموسة والأشياء الفكرية مهما كانت ضآلتها؛ وهو ما يستوجب احترامها. ويدرك تمامًا نوع الضلالات البصرية التي تمارس حوله.