عبدالعزيز مهدي العبار
يقع على عاتق مؤسسات التعليم في المجتمع العديد من المسؤوليات، من أهمها القضاء على الجهل، والأمية، وخلق جيل صحي وسليم وخالٍ من الأمراض النفسية والجسمانية؛ إذ تقدم مؤسسات التعليم العام - إضافة إلى العلوم - التغذية والرياضة التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من المنظومة التعليمية.
فقبل أزمة كورونا التي شلت اقتصادات دول العالم كان من المفترض أن يكون هناك خطط مستقبلية لهذا القطاع المهم للتخفيف عن ميزانية الدولة. فهناك حلول كثيرة، منها إلغاء طباعة الكتب المهدرة، ووضع رسوم إدارية رمزية للتسجيل والقبول، وتفعيل الوجبات المدرسية، وتطبيق نظام قرض الدراسة الجامعية والمنح الداخلية.
بالنسبة للكتب وطباعتها فما زالت حاضرة كلمات سمو ولي العهد عن المبالغ المهدرة في الديكورات والرخام الفاخر في القطاعات المسلحة ومقارنتها بأمريكا بالأسمنت والشينكو (الدولة الأقوى عسكريًّا بالعالم). وهي تمامًا المشكلة نفسها التي يعاني منها قطاع التعليم في طباعة الكتب والتكلف في الكواليتي ونوعية الورق والألوان والصور، بينما في أمريكا تكون الكتب داخل المدرسة فقط، ولا تخرج من مكتبتها، وإن أراد الطالب استعارة الكتاب يتعهد بإعادته أو دفع سعر الكتاب في حال فقدانه.
وتعتمد المدارس العامة في أمريكا على التصوير، وإعطاء الطالب أوراقًا عملية A4، وبعد الانتهاء منها يتم إعادة تدويرها.
في عام 2018 صرح وزير التعليم السابق بأنه تم توفير مبلغ 460 مليون ريال فقط من كتب مادة النشاط، فكم سيكون المبلغ بعد إيقاف طباعة الكتب تمامًا؟
لذلك يُعتبر هذا حلاً ضروريًّا ومجربًا في خفض التكاليف وإرهاق الميزانية، ويواكب مرحلة التطور والتقنية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.
حسب آخر إحصائية لوزارة التعليم فإن العدد الإجمالي لطلبة وطالبات التعليم العام الأهلي والأجنبي والحكومي بلغ 6187776 طالبًا وطالبة، ولو تم تحصيل رسوم تسجيل رمزية لكل ترم كما هو معمول به في كل دول العالم لأسهمت هذه المبالغ في تقليل الضغط على الميزانية العامة التي يحتل قطاع التعليم النصيب الأكبر فيها بمبلغ يقارب الـ200 مليار ريال. لذلك، لو تم - على سبيل المثال - اعتماد مبلغ 50 ريالاً رسومًا للتسجيل لكل ترم دراسي فسوف يكون العائد منها 618.777.600 ريال سنويًّا، ويتكفل الضمان الاجتماعي بالأسر ذوي الدخل المحدود التي لا تستطيع دفع مثل هذه الرسوم.
أما بالنسبة للوجبات المدرسية فهي ثروة مهدرة في بلدنا، ومطبقة في كل دول العالم، وتعود على الفرد والمجتمع بالمنافع الصحية والاقتصادية. ومن منافعها تقديم وجبات صحية، تبني جسم الطفل بناء سليمًا وخاليًا من الأمراض والمشاكل الصحية، وتعمل على توفير آلاف الوظائف للجنسين، وتقليل نسبة البطالة إلى أرقام قياسية، ودعم الاقتصاد بالتعاقد مع شركات الأغذية المحلية والعالمية، وتشجيع الشركات الناشئة والصغيرة في هذا المجال، ومجالات الصيانة والنظافة وإعادة تدوير المخلفات.
لذلك، مبلغ 3 ريالات لوجبة الإفطار و5 ريالات للغداء سيجلب مبلغ 200 مليون ريال أسبوعيًّا تقريبًا، إن لم يكن أكثر، وسوف يخفف ذلك على إنفاق الأسرة في التغذية والصحة، ويجعل الشركات الكبرى تتنافس للفوز بالعقود السنوية.
ويمكن للأسرة غير القادرة على تكلفة الوجبات الاستفادة من هذا البرنامج بخصم يصل إلى 80 % حسب عدد الأطفال ودخل الوالدين.
أما الحل الآخر فهو تفعيل قرض الطالب للدراسة الجامعية والمنح الداخلية؛ إذ يستطع الطالب الحصول على القرض الدراسي الذي يغطي تكاليف الرسوم الدراسية والسكن والأكل والمواصلات والكتب حسب تقدم الطالب في الدراسة، بحيث لا ينزل المعدل الفصلي عن 2.5 من 5 لضمان استمرار الصرف.
فالشباب طاقة مهدرة، لو تم تفعيلها والاستفادة منها في العمل الجزئي في الجامعات - كما هو معمول به في كل دول العالم في الوظائف الإدارية والوظائف اللوجستية والصيانة والتشغيل - لخفف ذلك من التكاليف والمصروفات، وساعد الطالب على سداد قرضه قبل أن يتخرج. وهذا الشيء يرفع من وعي الطالب في مجال عمله المستقبلي، ويصقل مواهبه ومهارات التعامل الاحترافي في مجاله، وينمي المسؤولية فيه، ويجعله قادرًا على الاعتماد على الذات في سن مبكرة. وسوف يكون للقطاع الخاص والبنوك فرصة كبيرة في دعم المجتمع وشبابه في مثل هذه القروض بفائدة وهامش ربحي قليل جدًّا أو صفر.
إضافة إلى تفعيل المنح والبعثات الداخلية للمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية الراغبة في استقطاب الطلبة المتميزين بعد أن يثبت الطالب جدارته في الدراسة، والحصول على معدل ممتاز، يؤهله للحصول على المنحة الدراسية الكلية أو الجزئية.
الحلول موجودة يا وزارة التعلم، وقد تكون هذه الأفكار مطروحة، ولكن البيروقراطية شلت حتى التفكير فيها لأسباب قد تكون غير واضحة للشخص غير القريب من ملفات التعليم الكثيرة التي يظن البعض أن أكثرها اهتمامًا هو المبنى المستأجر والمشاريع المتعثرة.
لنفكر خارج الصندوق، ولنُعِدْ النظر في بعض وجهات النظر، وخصوصًا في مثل هذه المرحلة التي تتطلب مساهمة المجتمع ولو بجزء بسيط في قطاع التعليم الذي يعتبر أهم قطاع في كل المجتمعات في العالم.