د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يحتاج المنتج الثقافي بمفهومه الشامل وفنونه للنقد البناء الصادق؛ وهو أثير تستحقه الثقافة بمساراتها وفنونها، وهو جدير بثقافتنا السعودية بوشاحها الحديث؛ فقيام منصات النقد ورواج سوق النقد حياة للفكر والثقافة ورواج للفنون وترقيات مستحقة للاستهداف الثقافي في عمومه لتقييم المنتج الثقافي بأشكاله قبل بثه للعقول وبعد بثه وعرضه، وأحسبُ أن سوق النقد قد ركدتْ في فضاءاتنا الثقافية في حاضرنا ونكصتْ! وتبع ذلك وفرة من هزيل الإنتاج الثقافي، ومهزوز الفكر في كثير من الأحيان؛ ولستُ بحاطب ليل ضجر حتى أجعل رأيي هذا يحط في نتاج كل ذي لب، ولكن النقد الثقافي حريٌّ أن يُنصُّ عليه في تشكيل هيئة الأدب والنشر والترجمة الوليدة حديثًا، أو أن يفرد له محضن تنظيمي مستقل؛ وأن لا يَعبرُ مفهوم النقد من خلال تحكيم كتاب للنشر أو مراجعة صياغة، أو تبويب فصول! فتلك حرفة اعتدنا عليها، ولكن النقد معرفة وتأصيل وسليقة ومثاقفة ومنهج؛ فدوائر النقد وافرة ووزارة الثقافة حملتْ في زمننا صنائع محمودة نحو التثقيف والمثاقفة؛ والزمان اليوم مختلف في النظرة والتصنيف المعرفي؛ ولا بد للنقد من محترفيه الغيارى على الفكر؛ الذين يملكون ناصية الفصل في المنتج الثقافي تخصصًا وممارسة ورؤى ثقافية ممزوجة بالعمق التحليلي المعرفي؛ ومن معالي النقد بمفهومه الصحيح المحافظة على الشخصية الفكرية السعودية، وأن تكون لها صبغة ومنهاجًا فبلادنا موئل الثقافات والحضارات وجدير بها أن تبث هنا وللعالم ما هو جدير بالبقاء والثبات؛ فانتاج بلا نقد عميق بنّاء تنقصه الدقة والتحقيق والتمحيص، وعندما يكون النقد في ثقافتنا الفكرية وفنونها معترفًا به ولازمًا يعوّلُ عليه في تحقيق المواجهة الودودة الصادقة لترقية الثقافة وتقوم سوق النقد بين الناقد وصاحب الإنتاج فيما يشْكُلُ ويلتبسُ؛ وأقفُ عند تأصيل المنتج الفكري السعودي وأرى أهمية إفراده بوقت وجهد ونقد فقد تبددتْ في جل الإنتاج الثقافي الموروثات الثقافية التي صنعتها الأجيال الماضية ورواد الفكر السعودي المشهود لهم بالارتقاء في الذهن وطرح المعنى الكريم الشريف «وفوق كل ذي علم عليم» فمنذ عصور التدوين كل يؤخذ من قوله ويرد، وحتمًا عندما تخصص منصات النقد والتقويم والقياس البصير للمنتج الثقافي ويستكتب النقاد حوله فأولى مكاسبنا الثقافية رواج المنتج والإقبال عليه؛ وتعقبها المشاركة في الفكرة والموضوع؛ ومن ثم التأثر والتأثير في اآخر كما أن كل النتاج العقلي الفكري سوف يصمد للفحص المجرد والقول المقنع والحكم المجرب؛ وحياة النقد من مقومات الثقافة فعندما توشحتْ الثقافة السعودية استباقاتٍ فياضة وتمت الموافقة على الابتعاث الثقافي مطلع هذا العام كمنهج عميق للاندماج مع العالم واستثمار المشتركات الإنسانية فإن النقد والتقويم للمنتج الثقافي السعودي يجب أن يتواشج مع المسير الجديد للاندماج والمثاقفة حتى نعانق العالم بمنقح وثير وفير مما يشعل الهمة بالاطلاع والاقتناء! فنتمنى مع ذلك الخصب الجديد للثقافة في بلادنا مفتتحًا غزيرًا لسوق النقد كما كان في بدايات نهضتنا الحديثة عندما كانت الكواشف النقدية لكل كتاب يصدر تعلق في الأذهان قبل وصول الكتاب بين أيديهم، واليوم ومع التنوع في فنون الثقافة مقروءة ومسموعة ومرئية فإن التقويم والنقد بها أحرى.
والثقافة مفتاح ذهبي للوصول إلى العالم؛ وكم نحتاج للقوة الناعمة بمستندها الثقافي المتنوع، وترسيخ قوي لمنهجية النقد الثقافي في قواعد التأسيس ويلزمنا تصنيف وتقويم ودراية بما نملك! ثم نأتي للخطاب الثقافي المتنوع فلا بد أن تضعه وزارة الثقافة فوق مجهر النقد أيضًا حتى لا يتداخل الخطاب الثقافي إلا وفق الاختصاص الدقيق فلعل الوزارة لا تنفق وقتًا كثيرًا في تصنيف الفنون وتحديد مرجعياتها فمقياس النقد حفيظ عليم، و( هذا الفال ويتبعه العقال) بإذن الله