على خارطة العالم ستلحظ هذا التكتل البشري الكبير في كل من (الصين) و(الهند)، بل وستجد هاتين الدولتين تتصدران خارطة الثقافة العالمية، حاضرتين، بتجلياتهما الفلسفية والروحانية، والمُثل والمبادئ الأخلاقية.
تتشارك الدولتان أجزاء من التاريخ، وشريطاً حدودياً يشهد على ارتباطات ثقافية وتجارية، فـ(بوذا) أوجد له مُريدين بين شعبي الدولتين، إلا أن السيد «شانغ هويبينج» أستاذ الدراسات الدولية بجامعة، بكين، كان له نظرة أخرى في أوجه الشبه بين الهنود والصينيين.
إذ يقول: إن الصينيين يركزون على الأخلاقيات في العلاقات الإنسانية ويولون الاهتمام لحياة الناس الحقيقية، فيما ركز الهنود على التمحور حول الخوارق الطبيعية وعلى تجاوز الذات والتصوف.
خلف هذه الصورة الثقافية، تأتي الصورة الجيوسياسية للبلدين، فهناك شريط حدودي يقع على طرفيه مدن وبلدات هندية صينية، ولطالما كان هناك تاريخ من التوترات بين العملاقين الآسيويين.
إجمالاً، تطالب الصين بحوالي 90 ألف كيلومتر من الأراضي في شمال شرق الهند، فيما تقول الهند: إن الصين تحتل 38 ألف كيلومتر من أرضيها، ولأن الثقافة «البوذية» متجلية بين الدولتين، توترت العلاقات بسبب استضافة الهند للزعيم الروحي التبتي المنفي «الدالاي لاما» الذي فر من وطنه عام 1959 خلال انتفاضة فاشلة ضد الحكم الصيني. في المقابل تدعم بكين باكستان في قضية إقليم كشمير المتنازع عليه، وهو سبب رئيس للقلق الهندي.
اليوم، الوضع بين الدولتين متوتر، بل وأنه يصنف كأهم المخاطر الجيوسياسية في العالم، ومصدر لنشوب الحروب الدولية، حيث يحشد الطرفان قواتهما على الحدود، ومؤخرا اجتمع جنرالات الجيشين، إلا أن هناك حديث عن حالة «لا انفراج» بين العملاقين. على الطرف الآخر البعيد، الولايات المتحدة تستفيد من هذا التوتر في مواجهتها مع الصين في ظل أزمة كورونا وفي محاولة لإدارة «الرعب» في مثل هذا الملف.
علاقة الدولتين بلا شك مؤثرة على المجتمع العالمي، وهذا ما تعيه المملكة العربية السعودية، لتأتي مؤخراً زيارة سمو ولي العهد للدولتين ولتوطيد العلاقات مع الجانبين، بتعزيز الإيرادات النفطية القادمة إلى الصين، والشراكة مع الهند في بناء المصافي البترولية، بسياسة خارجية سعودية رشيقة قفزت على التوترات بين الدولتين، وبتقبل الطرفين.
أخيراً، المشهد في المدن الحدودية بين الدولتين يستدعي الانتباه، في وقت قد نشهد خلاله تراجعا للتدخل الأمريكي بين الطرفين، والذي نددت به الصين في الأيام الماضية، وهذا أكثر سيناريو مستقبلي مريح للعالم، إلا أن الأيام القادمة تحمل معها كثيرا من العلاقات المعقدة بين الدول والتغيرات السريعة.
** **
- عساف المسعود
@AlmsaudAssaf