عندما وصلت إلى كوريا الجنوبية لأول مرة في نوفمبر من عام 1965، كانت دولة فقيرة للغاية، وبالكاد بدأت تتعافى من الحرب الكورية مع جارتها الشمالية التي انتهت قبل 12 سنة. كان نصيب الفرد من الدخل السنوي 125 دولارًا. كانت كوريا الجنوبية في تلك الأيام أفقر بكثير من كوريا الشمالية، كما كانت واحدة من أفقر دولالعالم.
تاريخ كوريا الذي بدأت في تعلمه آنذاك قصة بلد عانى من الحرمان على يد الغزاة الأجانب. ولكن بعد مرور 55 عامًا، تقدمت كوريا بشكل مذهل، حيث وصل الدخل السنوي للفرد إلى حوالي 30 ألف دولار. والدولة التي كانت فقيرة يوماً ما هي الآن واحدة من أغنى دول العالم. ولكن مع كل التغيرات في مستوى المعيشة، لم يتغير التاريخ.
اسمحوا لي أن أعرض فكرة مختلفة جذريًا عن التاريخ: التاريخ ليس مجرد ما حدث منذ فترة طويلة؛ بل التاريخ هو ما يحدث الآن! ما تعنيه هذه الفكرة ببساطة هو أن ظروف اليوم تحدد إلى حد كبير كيفية تفسيرنا للتاريخ لأن التاريخ ليس مجرد مجموعة مطلقة من الحقائق نجلس لنقرأ حتى نتعلمها. ولكن يجب تفسير تلك الحقائق التي تخبرنا كيف وصلنا إلى ما نحن عليه «الآن».
دعونا ننظر إليها من وجهة نظر عالم الأنثروبولوجيا. في علم الأنثروبولوجيا يقولون «التاريخ ميثاق» وهذا يعني أن التاريخ هو الأساس لشرح من نحن وكيف وصلنا إلى ما نحن عليه؟
بعبارة أخرى، البلد الفقير له تاريخ يشرح من خلاله سبب فقره والبلد الغني له تاريخ يشرح من خلاله سبب ثرائه. هذا تبسيط للأمور ولكنه يوضح نقطة شديدة الأهمية.
إن تاريخ كوريا منذ أن كانت دولة فقيرة مهزومة ، لا يتم تدريسه بشكل مختلف كثيرًا الآن، لكن كوريا اليوم دولة مستقلة وشديدة الثراء. حان الوقت لإعادة فحص التاريخ الكوري وليس الإجابة على سؤال «كيف أصبحت كوريا فقيرة للغاية؟» ولكن للإجابة على سؤال «كيف أصبحت كوريا غنية؟» وما هي القيم والسلوكيات التي يمكن أن نجدها في التاريخ الكوري والتي تفسر أسباب نجاح كوريا اليوم؟
إن المشكلة الحقيقية في القول بأن كوريا عانت مئات، أو حتى عشرات الغزوات، تكمن في أنها تقلّل من كارثة الحروب الضخمة الثلاثة التالية التي خاضتها وهي: الحرب الكورية (مليون قتيل)، الغزو الياباني (ما بين 2 مليوني إلى 4 ملايين قتيل)، غزو المغول (مليون إلى 2 مليوني قتيل). وعلى الرغم من عدم توفر بيانات إحصائية عن السكان خلال الحروب الثلاث المذكورة إلا أن كافة المناوشات الأخرى لا تبدو شيئاً يذكر مقارتة بها.
بدلاً من القول إن كوريا عانت من حروب لا تعد ولا تحصى، سيكون من الأجدر القول إن كوريا عانت من ثلاث حروب كارثية، لكنها تعافت بقوة من كل منها. كما استطاعت أن تحافظ على ثقافتها ونزاهتها وازدهرت بشكل مستقل عن الصين، مع الحفاظ على لغتها وكتابتها الخاصة وثقافتها المتميزة.
** **
مارك بيترسون - أستاذ اللغات الكورية والآسيوية والشرق الأدنى بجامعة يوتا الأمريكية - عن (كوريا تايمز) الكورية