فيصل خالد الخديدي
التجديد والمغامرة والجرأة المبنية على معرفة وثقة في النفس وفيما يقدم الفنان أمر يدوم أثره ويبقى شاهدًا للتميز مهما طال الزمن وتعاقبت الأجيال ويظل مثارًا للدهشة وعلامة فارقة في الحقل الذي ينتمي له، ومن العلامات البارزة في مسيرة الفنون التشكيلية المحلية التي لم يكتب لتجربة أخرى تجاوزها في النجاح بالمزاوجة والتعايش بين أجناس مختلفة من الفنون في مكان واحد وفكر ودهشة مشتركة في المعرض الثلاثي (مساحات مشتركة) ذلك المعرض الذي قدم نصوصًا بصرية مفتوحة محفزة ومستفزة تنتظر من يقرأها بوعي وينظم قافية شطرها الآخر ويكمل حبكتها القصصية، ليحدث ذلك وينجح الجميع في ذلك المعرض في تقديم نص بصري مسرحي إنساني فاخر يجمع بين أقطاب الفنون التشكيلية المعاصرة والرؤية المسرحية الساحرة في خلطة إبداعية وقراءة موازية متناغمة ومتسقة مع إبداع الفنانين التشكيليين في طرحهم المختلف بعرضهم غير التقليدي في معرضهم التشكيلي الثلاثي، حدث ذلك قبل أكثر من عشرين عامًا في معرض تشكيلي تجاوز كونه معرضًا إلى حالة خلق إبداعي بدأت أحرفها بثلاثة فنانين أبدعوا نصًا بصريًا مشتركًا مفتوحًا يقبل الكثير من القراءة والتأويل وليجدوا نصًا مسرحيًا حركيًا فكريًا قارئًا موازيًا لا يقل فخامة وقوة وعمقًا عن النص البصري الذي طرحه الفنانون أصحاب المعرض.
بدأت الحكاية من المعرض الثلاثي المختلف والخلاق (مساحات مشتركة) الذي قدمه الفنانون (أيمن يسري - عبير الفتني - مهدي الجريبي) في وقت مبكر وصادم للساحة التشكيلية المحلية أن تتقبل مثل هذه المعارض بطرح معاصر وغير تقليدي وكان ذلك في عام 1999م ومنتصف عام 1420الهجري تقريبًا بصالة أرابسك بجدة التي كساها الفنانون من الداخل بالبياض ليعزلوا جميع جدران منطقتهم المشتركة بالورق الأبيض وتبدأ الرحلة بعمل (يابسة) للفنان أيمن يسري في بداية المعرض وهو عبارة عن جدار من البلوك الجاهز يعزل خلفه ضوء أزرق وتتناثر بعض الحجارة من طرفيه ويخترق صمت هذا الجدر سماعة تتدلى من منتصفه بها شيء من صوت بحر، وفي الغرفة التي تليه تضع الفنانة عبير أكوامًا من الحجار أمام عرض تلفزيوني مسجل لشق طرق وتفجير الجبال، ليأتي بعد ذلك رصيف أيمن يسري ببلاطاته الاثنى عشر ليسجل حوارًا مع أعمال مهدي المسندية التي علقت في مساحة من الجدار فوق وحول الرصيف واعتمد فيها مهدي على المسح والكشط وبقاء أثر اللون، وتأتي بعد ذلك غرفة أخرى صنع فيها أيمن وعبير مساحة مشتركة بين إطار مكعب أيمن الحديدي، وحجارة عبير المتدلية من السقف وعليها بعض ملامح وجوه، لينتهي معرض مساحات مشتركة بعمل لأيمن يسري قدم فيه عددًا من (الزنابيل) بها بودرة ألوان متنوعة، كل هذا العرض المفاجئ والمدهش وتصريحات الفنانين الواعية قبل وأثناء المعرض بأنهم يعملون على مسرحة الحالة التشكيلية لتأتي بعد ذلك تغطية الشاعر عيد الخميسي التي تعد نصًا إبداعيًا موازيًا، استفزت جميعها مجموعة مسرح الطائف بجمعية الثقافة والفنون بالطائف لتخلق حالة من التفاعل وإبداع مساحة متناصة ومتناسقة ومتسقة مع أحداث هذا المعرض ليقدم فهد الحارثي وعبدالعزيز عسيري وأحمد الأحمري نصًا وتصورًا مشتركًا يشاركهم فيه تمثيلاً وإعدادًا (سامي الزهراني - مساعد الزهراني - محمد بكر رحمه الله- جمعان الذويبي - فيصل الخديدي - مشعل الثبيتي - محمد العنزي) لعدد من اللوحات المسرحية التي تناصت مع موجودات المعرض وهي (جدار - فنان تشكيلي -انفجار - الرصيف - وجوه) في قراءة مسرحية موازية للمعرض حضر فيها بشكل تكاملي (الشعر - القصة - التشكيل - السينوغراف - جسد الممثل - والموسيقى - الغناء) قدمت في أقل من نصف ساعة لوحات هذه القراءة المسرحية المتفردة في حالة إبداعية تكاملية يصعب تكرارها أو تجاوزها إلى الآن، عاش فيها الممثلون (أحمدلأحمري وسامي الزهراني ومساعد الزهراني) حالة اندماج وتعايش كامل مع فكرة المعرض وإبداع موازٍ لما قدمه الفنانون في معرضهم لتبقى هذه المشهدية والقراءة الموازية لمعرض مساحات مشتركة الأول والأبرز كان بطلها فكر مهدي الجريبي وأيمن يسري وعبير الفتني والجنون المكمل لهم من مجموعة مسرح الطائف.