أ.د.محمد بن حسن الزير
واصل الإمام فيصل مسيرة حكمه، على طريق والده الإمام تركي في استكمال إعادة أمور الدولة إلى سابق عهدها، وفي السنة الثانية والخمسين بعد المائتين والألف للهجرة؛ وبينما كان فيصل يحقق نجاحه في تثبيت دعائم الدولة سيرتها الأولى، تنبهت الدولة التركية وواليها الباشا في مصر إلى أن الحياة قد انبعثت من جديد في أوصال الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام فيصل؛ مما جعلهم يعودون إلى مؤامراتهم الخبيثة ويبادرون إلى تسيير عساكرهم بقيادة (إسماعيل أغا) وإمعانا منهم في استعمال سياسة المكر التي درجوا عليها لإنجاح مساعيهم، وتحقيق مآربهم بأي سبيل يرون فيه وسيلة توصلهم إلى غاية السيطرة وبسط نفوذهم على أجزاء هذه الجزيرة العربية، أو أجزاء منها، وإخماد روح النهضة والإصلاح فيها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ فقد جعلوا من استخدام العناصر المحلية جزء من هذه السياسة؛ بحيث يجعلونهم ممثلين لهم في حكم بلادهم باسمهم؛ لما في ذلك من تحقيق أهداف مزدوجة، من حيث ما يحققه ذلك من ضرب بعضهم ببعض، وإضعاف قوتهم وتشتيتها بالصراع بينهم، وفي الوقت نفسه يضمنون إلى حد ما تحييد الشعور الوطني لدى السكان المحليين بمخادعتهم بأن من يحكمهم هو واحد منهم، أو هكذا يأملون.
ولهذا فقد رأى محمد على أن يبعث مع قائده العسكري (إسماعيل أغا) الأمير(خالد بن سعود بن عبد العزيز بن محمد) الأخ غير الشقيق للإمام عبد الله بن سعود، ليواجه به الإمام فيصل، وليكون أميرا على نجد، وكان من ضمن الأمراء السعوديين الذين نقلوا إلى مصر؛ حيث بقي هناك (18) عاما، وكان يحصل من (محمد علي) على راتب «قدره (2500) قرش عثماني، وأنعم عليه برتبة قائمقامية الشق الثاني من ديوانه، ومنحه وسام القائمقامية..» (أبو علية؛ تاريخ الدولة السعودية الثانية ص66).
وحين بلغ الإمام فيصل، وهو في الرياض، خبر وصول العسكر إلى الحناكية، نظر في الأمر وشاور بشأنه، واستنفر رعيته وخرج من الرياض، آخر شوال سنة 1252هـ، لمواجهتهم في القصيم، واتجه إلى الخفيسة ماء في الدهناء حيث التقى بجموعه، ثم رحل إلى الصريف وأقام على مائه أكثر من شهر، ثم رحل إلى عنيزة، واستنفر أهل بريدة، ثم سار إلى رياض الخبرا، وكان العسكر في الرس، وبعد مشاورات، وفشل سرية ذهبت إلى الشنانة، ومتابعة بعض العربان للعسكر، وبعد التشاور، أمر الإمام بالرحيل، وذلك أواخر ذي الحجة، وأذن لأهل البلدان بالرجوع إلى أوطانهم، وقفل راجعاً نحو الرياض، ونزل خارج البلد، في الرابع من محرم عام 1253هـ، وهنا اكتشف تغيراً في موقف أهل الرياض نحو (خالد بن سعود) نتيجة مراسلات وخطط حصلت من خالد ومن معه من العسكر، فتمكن الإمام بحكمته وشجاعته من إخراج ماله في الرياض من غال ونفيس وخيل، وتوجه إلى الخرج، ومنه إلى الأحساء ونزل في قصر الكوت. (انظر ابن بشر 2/69-72، وتحفة المشتاق ص 172).
وحين كان (إسماعيل وخالد) في عنيزة قدم عليهم بعض من كبار أهل نجد سوى أهل الخرج والفرع والحوطة والحريق(انظر ابن بشر 2/72)، وأقبل العسكر نحو الرياض، ثم قصدوا الحوطة، وذلك في الخامس عشر من ربيع الأول، ولكن العسكر تلقوا الهزيمة، وهلك أكثرهم عطشاً بسبب الحر الشديد، ونجا خالد وإسماعيل من القتل؛ (انظر تاريخ ابن لعبون ص391 وابن بشر2/73-74).
وبعد أن بلغ الإمام فيصل خبر هزيمة العسكر، وهو في الأحساء قصد الخرج وأمر على أهلها وأهل الحوطة والحريق والفرع وسار بهم نحو الرياض ولما وصل المصانع خرج إليه خالد والعساكر ومن معهم من أهل الرياض وحصل بين الفريقين قتال شديد، وانهزم الترك وأهل الرياض وقصدوا منفوحة، «فحصرهم فيصل فطلبوا منه الأمان عليهم وعلى أهل منفوحة، ومن عندهم من الترك، فأعطاهم الأمان، فخرجوا إليه وصالحه أهل البلد وبايعوه، ونازل فيصل أهل الرياض، واستدارت جنوده عليها،.. واحتصر خالد وأعوانه في حلة البلد وسدوا بيبانها بالطين.. فثبت أهل الرياض هذه المدة الطويلة.. ثم إن خالداً ورؤساء الترك أمروا بهدم البيوت التي لأعوان فيصل.. واستمرت الحرب إلى سابع شعبان..» (ابن بشر2/75-77). وبعد طول حرب وشدة قتال، ومجيء أفزاع من سبيع وعربان من قحطان لخالد ومحاربين لفيصل، رحل الإمام ونزل عند منفوحة، وطلب خالد الصلح والتقى الإمام من الظهر إلى العصر، ويقول ابن بشر (2/76-77:» فلم ينعقد بينهم صلح؛ لأن أهل نجد لا يرضون بولاية الترك ولا أتباعهم فثارت الحرب بينهم في آخر شعبان..» وقد استمرت المجاولات، إلى أن بلغ فيصل إقبال خورشيد باشا مع عبد الله الشريف صاحب ينبع، الذي قدم إلى فيصل، في شوال، بهدية ومراسلات، على أن يرحل مع الوعد بإقراره في ملكه، وقد أدرك الإمام أن ذلك مخادعة منهم، فقرر الارتحال إلى الخرج ونزل الدلم، وفي آخر صفر سنة1254هـ أقبل خورشيد باشا من الحناكية، ومعه جلوي بن تركي مبعوثاً من الإمام فيصل، وفي أثناء إقامة خورشيد في القصيم استأذنه جلوي لقضاء حاجة في بريدة، فأذن له وهرب لأخيه فيصل، وأبلغه باستعداد خورشيد وعزمه على حربه، وبالفعل قدم خورشيد على الرياض وركب معه خالد بن سعود، وقصدوا بلد الدلم وثبت الإمام لحربهم، وحصل بينهم قتال شديد «وكان البشا قد جعل كمينا من الخيل والعساكر فظهر عليهم الكمين فحصل على المسلمين هزيمة وقصدوا البلد وقتل منهم عدة رجال..»(ابن بشر 2/82). وبعد عدة وقائع ومعارك، وصل للباشا قافلة مدد تقوى بها، وتخاذل الناس من أهل البلدان، ورحلوا إلى ديارهم، وكاتب أناس الباشا في طلب الصلح، وقصد أناس الباشا فأعطاهم الأمان، ولما تبيّن الحال للإمام نظر في صالح الناس والبلاد».. فأرسل فيصل إبراهيم أبو ظهير إلى الباشا في الصلح فأجابه إلى كل ما طلب إلا أنه يسافر إلى محمد علي في مصر فيجلس عنده مع عشيرته الذين في مصر»(ابنبشر2/84) وبهذا انتهت فترة حكم الإمام فيصل الأولى.
وللحديث صلة.