د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
قال امرؤ القيس:
صَبَّحْتُهَا الحَيَّ ذَا صَبَاحٍ
فَكانَ أَشْقاهُمُ الرِّجَالُ(1)
ذكر محمد العدناني أن من الناس مَن توقف في استعمال (ذاتَ صباح)، وأن المانعين اعتمدوا على ما جاء في معجم الصحاح ومختار الصحاح ومعجم الأساس، والمعجم الوسيط(2). جاء في الصحاح «وذا صباحٍ وذا مَساءٍ وذا صَبوحٍ وذا غَبوقٍ، فهذه الأربعة بغير هاءٍ [أي: تاء تأنيث] وإنَّما سُمِعَ في هذه الأوقات، ولم يقولوا: ذاتَ شهرٍ ولا ذاتَ سنةٍ»(4). ثم ذكر العدناني إجازة ابن الأعرابي(3) وأصحاب تاج العروس(5)، ومد القاموس، ومتن اللغة(6) أن يقال: ذا صباح وذات صباح. وذهب إلى أن القياس حسب ابن جني(7) يجيز لنا أن نقول: ذات شهر وذات سنة كما نقول ذات يوم وذات ليلة(8). ونجد (ذا صباح وذات صباح) في العين(9) والتهذيب(10) وشمس العلوم(11).
وصحح أستاذنا أحمد مختار عمر هذا الاستعمال فقال «رأيته ذات صباح وذات مساء [فصيحة]-رأيته ذا صباح وذا مساء [فصيحة]»(12)، وجاء في التعليق قوله: «المشهور عن العرب استخدام «ذا» مع كلمتي الصباح والمساء المذكَّرتين. ولكن جاء في اللسان(13) (ذوي) ما يفيد صحة استخدام «ذات» مع المذكر كذلك ففيه: أتيتك ذات العِشاء، ولقيته ذات يوم»(14).
ولا علاقة لتذكير المضاف إليه ولا لتأنيثه؛ فلك أن تضيف (ذا) إلى مذكر أو إلى مؤنث، ولك أن تضيف ذات إلى مذكر أو إلى مؤنث؛ لأن التذكير أو التأنيث حسب ما يصفان، قال الأزهري «وَتقول العربُ: لقيتُه ذَا صباحٍ؛ وَلَو قيل: ذاتَ صَباح، مِثْلَ: ذاتَ يومٍ، لَحَسُن؛ لأنَّ (ذَا) و(ذَات) يُراد بهما وَقتَ مُضافٍ إِلَى الْيَوْم والصَّباح»(15).
وذا وذات المضافين إلى اسم الزمان ظرفان غير متصرفين أي هما ملازمان للظرفية، قال الصبان «ومن غير المتصرف، بالتاء عند غير خثعم، ذا وذات مضافين إلى زمان فيلتزمون نصبهما على الظرفية: نحو لقيته ذا صباحٍ وذا مساءٍ وذاتَ يومٍ وذاتَ ليلةٍ، أي: وقتًا ذا صباح، ووقتًا ذا مساء، ومدةً ذاتَ يومٍ ومدةً ذاتَ ليلةٍ، أي وقتًا صاحبَ هذا الاسم، ومدةً صاحبةَ هذا الاسم»(16).
وأما علة لزوم الظرفية فنجدها عند ابن يعيش؛ إذ نجد (ذاتَ يوم)، و(ذاتَ ليلة) منعا من التصرف، فلا يقال: (سِيَر عليه ذاتُ يومٍ)، أو (ذاتُ ليلة) بالرفع بجعلهما نائبين للفاعل عند البناء للمفعول، بل حكمهما النصبُ على الظرف لا غيرُ؛ لأن نفسَ (ذات) ليست من أسماء الزمان(17)، وهذا بخلاف (يوم) المتصرف، نحو «صِيد عليه يومان، ووُلِد له ستون عامًا»(18)، فرفع الظرفان يومان وستون لأنهما نابا عن الفاعل.
ولنا بعد هذا كله أن نقول: جاء زيد ذا يوم، أو ذاتَ يوم، وجاء عمرو ذا ليلة وذاتَ ليلة.
(1) امرؤ القيس، ديوانه، تحقيق: عبدالرحمن المصطاوي، ص 149.
(2) محمد العدناني، معجم الأخطاء الشائعة، ص96.
(3) الجوهري، الصحاح، 6: 2552.
(4) الأزهري، تهذيب اللغة، 4: 158.
(5) الزبيدي، تاج العروس، 4: 431.
(6) أحمد رضا، معجم متن اللغة، 3: 413.
(7) ابن جني، الخصائص، 2: 42.
(8) محمد العدناني، معجم الأخطاء الشائعة، ص96.
(9) الخليل، العين، 8: 208.
(10) الأزهري، تهذيب اللغة، 15: 33.
(11) نشوان الحميري، شمس العلوم، 4: 2310.
(12) أحمد مختار عمر، معجم الصواب اللغوي، 1: 383.
(13) ابن منظور، لسان العرب، 15: 457.
(14) أحمد مختار عمر، معجم الصواب اللغوي، 1: 383.
(15) الأزهري، تهذيب اللغة، 15: 33.
(16) الصبان، حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، 2: 195.
(17) ابن يعيش، شرح المفصل لابن يعيش، 1: 425.
(18) سيبويه، الكتاب، 1: 223.