د. حسن بن فهد الهويمل
عالم المكتبات عالم غرائبي
لا يعرف حلوه، ومره إلا من يغالبه:
(لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها)
في مصر أجوب الشوارع مع الرفاق مشياً على الأقدام وحين أمر بـ(كشك) كتب، أنجذب إليه، فيما يمضي رفاقي غير عابئين إنه العشق ينسى الإنسان ذاته، وما الحب إلا إلغاء الذات في جنب المحبوب. تحمل الكتاب تحت إبطك، وتحمّله في تجاويف فكرك. يخدمك الأبناء والأحفاد، وتسعد أنت في خدمة الكتاب.
علماء، ومفكرون، زعماء، وساسة يكتبون لك خلاصة تجاربهم، وزبدة معارفهم، وتشتريها بأبخس الأثمان، تبني فيها ذاتك، وتصقل مواهبك، وتضيفها إلى معارفك، وتجاربك، أثمن الأشياء بأرخص الأثمان، أناس غيروا مجرى التاريخ تشتري مدركاتهم، ليكونوا لبنة في كيانك الفكري.
وقد تشتري كتاباً لا يساوي المداد، وكتابًا لا تساويه الأنداد. يخدعك الإخراج، ويستزلك العنوان، لقد أدرك الناشرون أهمية العتبات فبرعوا في اختيار العناوين الجذابة، ولكنها في النهاية سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
حقول المكتبة كمطاعم الفنادق الراقية فيها مئات الأصناف.. وفي كل يوم ينسل حقل جديد، وتحتاج إلى غرفة جديدة.
لم تعد المكتبة الرقمية بديلاً كما يتصور المخفون، إنها رديف ضعيف.. لذة المعلومة التقاطها من بين صفحات الكتاب. تسعفك الرقمية حين تكون بعيداً عن مكتبتك، أو حين تريد توثيق نص.
مما لا يوده المكوّن هلهلة الكتاب، بحيث تتفلت الأوراق وقد يضيع بعضها، فهناك تصميغ، وهناك خيوط، والطبعات المسروقة لا يهتم الناشر بالتجويد،
وكم من كتاب تفلتت أوراقه فأعدت شراءه وربما تكون الطبعة قد نفدت. معاناة الكتب ثقيلة على غير الهواة، ولا يعرفها إلا من عاناها.
الأشد إيلاماً أن تجد الكتاب ولا تجد قيمته، أو أن تجد القيمة ثم لا تجد الكتاب، وتلك من العذابات الخفية. عالم الكتاب عالم غرائبي، لا تنتهي عجائبه، وجلسة واحدة معه تنسيك العناء: (وخير جليس في الزمان كتاب).