أذكر في مدرستي السابقة ابتدائية «عمران بن الحصين» التي تتبع مكتب الصفا بتعليم جدة اشتغلتُ مع طلاّبي في النشاط على فِيلْمٍ قصير، فِكْرتُهُ خيالية بعض الشيء، هي أن الشاعر العظيم المتنبي جاء لزيارة المدرسة بلحمه وشحمه وملابسه وعِمتِه.. وهكذا، وعندما رأى المتنبي الطلابَ يتحدثون بلهجة لا يعرفها استنكر عليهم ذلك، وأنهم لا يتقنون اللغة العربية، ومنها انطلق هذا الشاعر يعظهم بأن يتمسّكوا بلغتهم، ويهجروا لهجات لا تسمن ولا تغني من جوع. ومن هُنا أُلّف، وتم إخراجه، ولقي ذاك الفيلم استحسان الجميع...
الآن ونحن نعيش زمن الـ»كورونا»، وأيام عيد، أتتني الفكرة نفسها، وشاعرنا أحمد بن الحسين المتنبي حين يَحِلّ ضيفًا على كوكب الأرض، وفي هذه الأجواء، ونحن في أيام العيد، ماذا يقول و»كورونا»؟
هل يقول «كورونا» بأي حالٍ عدت يا ...!؟
سؤالٌ عريضٌ، أضعه بين يدي القرّاء الأعزاء.
ودعونا أيها الكرام نتخيّل ماذا يرى ويسمع ويقول:
يرى أن الحَجْر عمّ البلاد والعباد، والعُزْلة أجبرت العالَم على العيش داخل البيوت، يسمع كلَ يومٍ أخبار كم حالة نشطة، حرجة، وفاة؛ سيصرخ بأعلى صوته ماذا حَلّ بالأرض وبكم أيها القوم؟!
الأرض تزيّنت لِعُرْس مؤجّل، الطرقات خالية، سوى من مواء القطط، ومهجورة من الناس...
والأكيد حين يأتيه الجواب بأن الـ»كورونا» هي السبب، ستهرب منه القوافي، وسيغرق في البحور، و»تطيش» منه الكلمات، ولربما غيّر نظرته في «الأنا» التي عُرِف بها، وربما يكتب:
أنا الذي «خسرت الحرف» في أدبي
وأسمعت كلماتي من به «سألوا»
ولقال:
وزائرتي كأنَّ بها حياءً
فليسَ تزورُ إلا في «كلامي»
بذلتُ لها الحَجْر «والنوايا»
فعافتها، وباتتْ في «سلامي»
ولعاد متنبينا حزينًا ونادمًا، يَجُرّ خلفه ألف آه وآه.
مسافات أخيرة:
نداء لأهل جدة الكرام، وأنا أولهم:
- اتقوا الله في أُسركم وأولادكم وكِبار السِنّ لديكم. أحد منكم لا يكون سببًا في بكاء الأعين وحسرات الندم ولات حين مناص ينفع ذلك.
- يا شباب جدة الفتيّة، أعلم أن فترة الحَجْر طولت، حجّرت على نشاطكم، تريدون الانطلاق لدنيا الفرح، وهذا حقكم، ولكن اتقوا الله فيمن سيدفع عنكم مخالفات التجوّل، أخطاؤكم الحبلى بالــ»كورونا»، الوفيات حينها تتمنّى لو تقبعون في البيوت يومًا، شهرًا، سَنة...
- يا روّاد المساجد الذين يتلهّفون لسجدة، يجأر فيها لله، أعلم مدى اشتياقكم للمسجد وجماعته،
ولكن هناك من أجاز لكم الصلاة في المنازل،
وخصوصًا كِبار السِن. ارحموا ضعفكم، ارحموا من يترجّاكم من أبنائكم أن تصلّوا في البيوت.
القادم:
الشِعْر والنثر وفُتات القوافي.
** **
- علي الزهراني (السعلي)