أعد الملف - جابر محمد مدخلي:
إبداع متجدّد وعطاء متواصل
أ.د. محمد صالح الشنطي
ثمة رجال لا تتّسع لمواقفهم الذاكرة على رحابتها؛ يظلّون ملء السمع والبصر، يسكنون القلب، ويجرون فيه مجرى الدم في العروق، تفيض بفضائلهم القراطيس، ويكلّ عن طيب نشرهم القلم، لازدحامها بفيض المشاعر ووهج المحبة. الوفاء لهم دين، لا ينفع معه الإرجاء من عسرة التفكير إلى ميسرة التدبير؛ فهو يتجدّد في كل حين. المجازات فيه حقائق، فضائلهم لا تغطيها فصاحة الكلم ولا بلاغة النظم مهما أوغلت في اقتناص الدلالة، وتبارت في الغوص إلى عميق المعاني. تنأى بهم المسافات، وتتباعد الأزمان، وتتشاغل العقول والأذهان، ولكنها تظل مرهفة لكل نأمة تصدر، وكل إشارة تأتي في مضطرب الحياة وانشغال الفؤاد؛ فتومض بوارقهم وتتألق مشاعلهم وتشرئب نحوهم عاطر الذكريات وكريم الخصال.
هل تراني أوغلت وأسرفت ولامست سقف المبالغة المقيتة، واقتربت من حافة النفاق الكريه؟ لا والله، ما إلى هذا قصدت، ولا إليه عمدت، ولكنها دفقات محبة، غالبتها فغلبتني، وكفكفتها فغافلتني، جرى بها القلم فتحرّر من أوهام الاتّهام، وتغافل عن هواجس الخوف من مظنة التكلّف وسوء الطويّة؛ لينحاز إلى مكنونات الصدر وموجبات الوفاء. فليس ثمة غاية ترنو إليها كلماتي، ولا مأرب تسعى نحوه عباراتي. إنها الأخوّة في صفائها، والمودة في بهائها وجلائها. حسن حجاب، الأديب الفنان، والباحث الثّبت، والمثقّف الطلعة، والناقد الذوّاقة، هكذا عرفته في محافل الكلمة وملتقيات المعرفة وعلى صفحات أسفار خطتها أفكاره، والتقطت محارها عيون أضناها السهر، وطرّز سطورها ملكة مبدعة وقريحة فيّاضة. أما النقد ففارسه الهمام، وأما السرد فجذيلة المحكك وعذيقة المرجب.
** **
قلم الحبر المتعالي
د. معجب العدواني
أميل إلى الاختلاف مع من يرى أن تكرار حرف (الحاء) ثلاثًا في مطالع اسمه قد جاء مصادفة؛ لأني أراه تأكيد دلالات منبثقة من الحرف نفسه في المفردات الثلاث: حب وحياة وحضور. ولتفصيل ذلك: حسن صانع الحب، وحجاب يحتفي بالحياة، وحزم يرسخ حضوره البهي. وبالتصفح السريع لصفحات شخصيته وإبداعه ونقده يمكننا النظر إليها وفقًا لمسارين: أحدهما أفقي، يظهر في تجربته القصصية والثقافية عامة، والآخر رأسي يستحضر كتابته النقدية.
يعكس المسار الأفقي ما يتصل بكتابة الحازمي الإبداعية التي قُدِّمت في مجموعات قصصية، خرجت بلا ضجيج، لكنها استقرت لدى المهتمين، دون توسل الدعم، أو ترويج الإبداع. ولا ينبغي أن ننسى ما بذله من إسهام كبير في أعمال ثقافية وجامعية، كان لها أثرها الإيجابي. أما المسار الرأسي فيمثله ذلك المنجز النقدي الذي لا يمكن لأي دارس في الحقل أن يجتازه. ويتجلى ذلك في جهوده التي تناول فيها الرواية السعودية منذ عقود في رسالتين علميتين، ولا تزال كتبه تترى حتى الآن. لقد حظيت أعماله بالتأني وتحري المراجعة الدقيقة، وهدفت إلى الفحص العلمي لقضايا كثيرة في النقد الروائي، وكان لمثابرته وإصراره الدائم دوره في أن تتحول أعماله من الشمولية إلى مستويات أكثر عمقًا في مكونات الرواية السعودية. ومثال ذلك عمله النقدي الأخير «النص والنص الموازي...».
كان الحازمي قلم الحبر النشط المتعالي عن أدوات المزيفين؛ إذ اختار العزلة (الإلكترونية) بوصفها السبيل الأفضل لممارسة نشاطه دون إثارة، فتوافرت له فرص الاطلاع بصورة كافية، والتمكن من فحص أعماله ومراجعتها. ولا عجب أن يقدّر المنصفون منجزه الأدبي والثقافي والعلمي؛ ليصل تقديرهم إلى «الثقافية» التي تحتفي بشخصيات لها أعمالها المؤثرة في الأدب السعودي.
** **
ثلاث تجارب
صالح بن عبد العزيز المحمود
لم يكن الدكتور حسن بن حجاب الحازمي مجرد أكاديمي متمرس، وناقد متخصص، وباحث متميز، لكنه كان أعمق من هذه المعاني بكثير؛ كان (إنساناً) متفرداً بأخلاق عالية، وخصال سامية، وتعامل دمث، ووفاء نادر، وتواضع جمّ، وأريحية متأصلة في تكوينه وفي تربيته.
يدهشك أبو حسّان - حين تتعامل معه - بعطائه الذي لا ينضب، وبحبه للتعاون والمساعدة و(الفزعة) إلى الحد الذي تخجل منه، وتناضل كي تواكب كرمه ولطفه ونبله، وهو في كل حالاته باشّ الوجه، متهلّل الأسارير، (كأنك تعطيه الذي أنت سائله).
ولأبي حسان تجربة إنسانية غنية جديرة بالاستلهام، وأخرى إدارية رائعة، وثالثة علمية عميقة، وهو إلى جانب ذلك كله مبدع متفرد في كتاباته السردية، وقد حوت (تلك التفاصيل) وأخواتها الكثيرَ من أسرار تفرده وإبداعه، فقد أثبت اسمه منذ وقت مبكر نجماً في المشهد الإبداعي السعودي من خلال كتاباته القصصية، ساعده في ذلك (إنسان) متجذر في روحه، ولغةٌ شعرية، تحبه كما يحبها، فضلاً عن قدرات خاصة في التقاط المشاهد واللحظات بوعي عميق، وتفاعل مدهش. كان الدكتور حسن - وما زال - أيقونة عطاء مضيئة، وكانت أخلاقه وتعامله دليلاً على أن الإنسان يكون رفيعاً لا بألقابه ومناصبه، ولكن بأخلاقه وتعامله..
دام أبو حسان.. ودام قلبه الأبيض..
** **
رحلة الحازمي مع الرواية
أ.د. علي بن محمد الحمود
تزامناً مع الاحتفاء بسعادة الأستاذ الدكتور حسن بن حجاب الحازمي بوصفه شخصية جازان للتفوق والإبداع، أشير إلى أننا بصدد الحديث عن قامة أدبية ونقدية وإدارية في بلادنا؛ فالدكتور حسن شاعر وقاص وناقد وأستاذ جامعي وإداري متميز، تقلد المناصب المختلفة في جامعة جازان، وتوج ذلك بعمله وكيلاً للجامعة. وسأتحدث هنا عن الدكتور حسن الحازمي الناقد، ومن المعلوم لمتابع النقد الأدبي في المملكة أن جهوده تذكر في مقدمة الجهود التي أسهمت في تشكيل النقد الروائي في بلادنا. بدأ الحازمي مشروعه النقدي الروائي في مرحلة باكرة؛ إذ قدم أولى دراساته (البطل في الرواية السعودية)، وكانت من أولى الرسائل العلمية التي سُجلت في الرواية السعودية، وكان لهذه الدراسة مع غيرها من الدراسات أكبر الأثر في الالتفات إلى الرواية السعودية، بوصفها جنساً أدبياً، كان في مرحلة التشكل في تلك المرحلة. ورسّخ مشروعه النقدي الروائي عبر رسالة الدكتوراه التي كانت عن (البناء الفني في الرواية السعودية). وتعد هذه الدراسة من أهم الدراسات النقدية للرواية السعودية بالقياس إلى تلك المرحلة، والأثر الذي أحدثته في الحركة النقدية في المملكة. وحسبي أن أشير هنا إلى أنها كانت - وما زالت - من أهم مراجع الرواية السعودية في الجانبين: التأصيلي والتطبيقي. واستكمالاً لمشروعه (النقد الروائي) عمل الدكتور حسن على كتابة مجموعة من البحوث العلمية الرصينة في مجال الرواية السعودية، جمع أربعة منها في كتاب عنوانه (بحوث في الرواية السعودية). وأصدر أيضًا كتاباً عنوانه (النص والنص الموازي: قراءة في رواية جاهلية لليلى الجهني).
الدراسات السابقة وغيرها واكب فيها الحازمي الحركة الروائية في بلادنا. وتمتاز دراساته النقدية بالأصالة والمعاصرة في الوقت ذاته، وذلك من خلال اهتمامها بالجانبين: التأصيلي والتطبيقي، وانفتاحه على المناهج النقدية الحديثة. ومن جهوده - أيضًا - اهتمامه برصد الإبداع الروائي في بلادنا، بالاشتراك مع الأستاذ خالد اليوسف؛ فقدما رصداً للنتاج الروائي في بلادنا، وذلك في كتاب (معجم الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية: الرواية). ونأمل أن تتواصل جهودهما في هذا الجانب المهم. وختاماً يظل الأستاذ الدكتور حسن الحازمي قامة من قامات النقد الروائي في المملكة، وأتمنى له مزيداً من التوفيق والعطاء.
** **
ناقد فذ
د. أحمد المسعودي
حين يود المرء الكتابة عن د. حسن حجاب الحازمي سوف تتراءى أمامه أطياف ضياء شتى، سأختار منها صورة الأكاديمي صاحب الصدر الرحب والخلق الجم في التعامل مع طلاب الدراسات العليا، وقد كنت أحدهم. أذكر ذلك اليوم قبل سنوات فور حصولي على رقم هاتفه استقبلني صوته الهادئ مجيبًا بحب وتواضع عن كل تساؤلاتي في بداية طريقي في دراسة الماجستير. لم يكن يعرفني، ولم ألتقِ به قبل ذلك، وقد كان يحدثني كما لو كان يعرفني منذ أمد بعيد، بل كان يشجعني على الكلام أكثر وأكثر طالما أن الحديث عن الموضوع الذي يحسنه ويحبه، وهو السرد.
الدكتور الحازمي لم يُبتلَ بما أصاب عددًا جمًّا من النقاد، وأقصد اللغة المتعالية على جمهور القراء؛ فلغته علمية واضحة، لا التواء فيها ولا غموض، ولغته تعكس روحه الجميلة وأخلاقه الرفيعة التي يعرفها كل من التقاه بشخصه، أو اتصل به، أو قرأ دراساته النقدية، فضلًا عن قصصه الأدبية.
ولا يكاد باحث في الأدب السعودي يخطأ طريقه في الاستعانة بكتب الدكتور حسن مثل البطل في الرواية السعودية، والبناء الفني في الرواية السعودية، والحراك النقدي حول الرواية السعودية. وشخصيًّا كنت في مراحل لاحقة أوفر حظًّا؛ فقد قبل سعادته مناقشة رسالتي في الماجستير فكان أول لقاء لي به. ثم في مرحلة الدكتوراه أذكر أنني ذات مرة احتجت إلى بعض الدراسات السردية التي نفدت طبعاتها الأولى، فاشترط ألا يعيرني إياها إلا في منزله العامر. ليلتها سمعت منه طرفًا من تجربته النقدية، وما أجمل أن تسمع من مختص جمع بين العلم وموضوعه؛ فهو الأديب القاص والأكاديمي صاحب أول أطروحة أنجزت في جامعة سعودية عن الرواية المحلية.
** **
حسن حجاب الحازمي.. أكاديمية المبدع
يحيى امقاسم
رؤيتي حول تجربة القاص الدكتور حسن حجاب الحازمي تتجاوز ركضه في مضمار البحث العلمي الذي زاوج بين الأكاديمية والعملية الإبداعية، وكتابته للقصة القصيرة، وتسجيل اسمه في هذا الحقل المشرق منذ الثمانينيات أو أقرب بقليل. حين كانت القصة القصيرة تتقدّم في شمال البلاد، وفي شرقها وغربها، كان هو يحكي القرية على طريقته. القادم للجامعة في الرياض لم يكن بعيداً عن إشراقات الكتابة، وهو اللصيق بوالده، المربّي الأديب حجاب الحازمي. كانت لتجربته الأولى مع القصة المسار الصحيح للتشبث بروح المبدع قبل جدّية الباحث وأستاذ الجامعة. صاحب «البطل في الرواية السعودية» لم يكن البطل في معارك «الحداثة»، أو لم يُعلن خوض تلك النزاعات، أو ادّعى نازلاً منها؛ بل كان الشجاع في التمسك بتلابيب الجمال في الطرح والمشاركات حتى خارج الحدود. ثم لم يغفل حرص القارئ فيه عن تجربة المشهد السعودي في القصة والرواية خلال ما يفوق عقدين من الزمن وهو يكمل الطريق كلّها نحو الجمال. في الوقت الذي تخلّى فيه أغلب الأكاديميين عن قراءة الجيل القادم بأصوات مختلفة في الأعمال السردية كان الحازمي يُجايل بالحركة والفعل تلك التجارب الشابة التي نهضت وحيدة دون افتعالات أو مطالبات بحصص التفوق أو الريادة كما نقرأ من أقلام أولئك الأكاديميين في سنوات خلت. عمل الرجل بهدوء وموازنة يُدركها أنّها الصحيح في الفن والكتابة الجادة. لم يُعلن أولويته، ولم يدّعي امتلاكه نضج المعرفة، بل سعى حثيثاً وصامتاً في المشهد وخارجه، وأقام شجرة كبيرة من قناديل القراءات التي تقوم أحياناً في كتاب، ومن قناديل شهادات تُنير قصةً هنا أو رواية هناك. جمع مجهوده الجمالي في بحوثه وكتبه، واستعان بالهدوء نفسه ليصنع هذا الاسم الثابت في ذاكرة التسعينيات حتى الألفية. أكاد أقول إنّه الشاهد الأمثل على مرحلة «نهاية وبداية»، وهو ما يمكن تقسيمه على مراحل الحراك الثقافي في المشهد المحلي خلال ثلاثة عقود من الزمن.
لقد استطاع الحازمي أن يبني مهده الخاص رغم كل الأطياف، وحافظ على «عزلة الروح»، وهذّب تعاطيه مع المجريات في النبض الكتابي طيلة تلك السنوات، وراح يبني طموح الكلمة في أداء أرحب وأوسع من الخلاف العابر.. هذه ليست تحية على نهاية ما، وإنّما احتفاء بمشروعه الذي يزدهر.
** **
النقد الروائي المعاصر
د. سعيدة حمداوي
اتخذ المسار النقدي لحسن حجاب الحازمي اتجاهات عدة، انطلق فيها مبكرًا مع البنيوية السردية وتطبيقاتها في الرواية السعودية من خلال كتابه «البناء الفني في الرواية السعودية»؛ إذ اشتغل على السرديات البنيوية من منظور كل من جيرار جينيت وتزيفتان تودروف، في حين تحيل دراسة «البطل في الرواية السعودية» على التوافق بين الجانب البنيوي والمضموني، من خلال تبني المنهج السوسيوبنائي. كما خاضت الدراستان في أسلوبية الرواية السعودية والاهتمام باللغة السردية وبلاغتها. وفي «النص والنص الموازي قراءة في رواية جاهلية لليلى الجهني» توقف الحازمي عند الممارسة التأويلية ذات الطبيعة السيميائية بوصف الخطابات الموازية، الداخلية منها والخارجية، علامة تضمينية، تحقق نوعًا من التجاور بين بقية مكونات النص، وهذا ما توصل إلى الناقد. من جانب آخر، يعرض «الحراك النقدي في الرواية السعودية» للمدونات النقدية الروائية السعودية من خطاب تأريخ النقد أو خطاب التأريخ - بوصفه تشكلاً من تشكلات خطاب نقد النقد - ويتضمن مجموعة من الخطابات التي تتعامل مع النقد بغية تنظيمه وفق ترتيب زمني معين، يجعل المادة النقدية مرتبطة بالأحداث السياسية والاجتماعية؛ إذ حرصت الدراسة على تتبع المدونات النقدية في مجال الرواية وفق مسح زمني بدأ من عام (1349هـ/ 1930م) حتى عام (1420هـ/ 2000م) في القسم الأول من الكتاب. وجاء القسم الثاني من عام (1420هـ/ 2000م) حتى عام (1438هـ/ 2017م) في شكل رصد ببليوغرافي. واستندت الدراسة إلى آلية الوصف بوصفها أولى الآليات التي يعتمدها خطاب نقد النقد، ويعني عملية تفكيك وتأمل الظاهرة النقدية؛ إذ توقفت الدراسة عند المدونات الأولى المؤسسة للنقد الروائي السعودي. وعليه انفتحت تجربة الناقد حسن حجاب الحازمي على أغلب المناهج النقدية الروائية المعاصرة مع البنيوية السردية والتكوينية والتأويلية مرورًا بنقد النقد وصولاً إلى النقد الثقافي والعناية بمسألة الهوية والخطاب الديني. مؤكدًا وجوده النقدي القوي في المشهد الروائي السعودي والعربي.
** **
بين إهداءَيْن.. الحب الكبير!
خالد أحمد اليوسف
الحب الأخوي والعلاقة الحميمة لا يأتيان من فراغ، فمن المؤكد أن الطرفَيْن بينهما رباط وثيق مقدس، وتواصل نقي، لا مصالح من ورائه. هذا ما أشعر به تجاه أخي الدكتور حسن الحازمي. فمنذ بدايات تواصله مع نادي القصة السعودي وهو على تواصل معي شخصياً، ثم بعد أن قرر الدخول إلى الدراسات العليا المتخصصة في السرد تشابكت العلاقة بيننا أكثر وأكثر، وفي المرحلتين الماجستير والدكتوراه، ثم في كتاب واحد جميع بيننا، ثم في كثير من بحوثه وكتاباته، وزياراته للرياض، أو زياراتي لمنطقة جازان. قدم لي أول إهداء خاصًّا بالنسخة الأولى من رسالته للماجستير
(1418هـ/ 1997م) بقلم يده قبل الطباعة، وكتب كلمات تنم عن مدى العلاقة بيننا، وهي تالية لإهداءات كتبه الشعرية والقصصية، ثم ما تلا إلى أن نشر كتابه (الحراك النقدي حول الرواية السعودية) (1438هـ/ 2017م)، وكان الإهداء لي شخصياً. لم يكن مفاجأة لي؛ لمعرفتي العميقة بمعدن أبي حسان الأصيل؛ فهو إن كان كتبه لي فهو إنما يكتبه للوطن كافة؛ لأنه إهداء عن عمل أشرف واعتز به، وهو العمل الببليوجرافي. وبين الإهداءين عشرون عاماً، والدكتور حسن يصعد سلم الأكاديمية بجهدٍ كبير، ونتاجٍ مميز، ورفدٍ للمكتبة السعودية، بعشرات الدراسات والبحوث النقدية المتخصصة في الأدب السعودي، حتى أصبح من رموز النقد العلمي الأصيل، ليس في المملكة العربية السعودية فقط، بل في المحافل العربية كافة؛ لأنه ينقل ويقدم واقعنا الأدبي الجميل، المتقدم والمتفوق.
كم هي سعادتي أكبر وأنا أرى أبا حسان يتفرغ من العمل الإداري الأكاديمي المغري؛ ليكون أستاذاً جامعياً منتجاً فاعلاً متفرغاً للعلم ونشره بين الأجيال الجديدة، ولا يقدم على هذه الخطوة إلا الأتقياء الأصفياء للأدب والعلم والثقافة. بارك الله في أبي حسان الأخ والصديق والباحث والأستاذ الجامعي.
** **
كثير جداً
أحمد الحربي
الكتابة عن البروفيسور حسن بن حجاب الحازمي تحتاج لكاتب ملم باللغة والنقد والبلاغة والإدارة؛ فصاحبنا كثيرٌ جداً، وليس من السهل الكتابة عنه وهو بهذا الكم الهائل من المواهب؛ فهو الشاعر، وهو القاص، وهو الناقد الروائي، وهو الأكاديمي الفاعل محاضراً في جامعته، وناقداً في المشهد الثقافي السعودي، وهو الإداري الناجح الذي تسنم عمادة كلية المعلمين، وكان وكيلاً للشؤون الأكاديمية في جامعة جازان، ورئيساً لناديها الأدبي، وهو الحاضر الدائم في كل المناسبات، وهو الصديق الحميم الذي يزور أصدقاءه في كل الأوقات؛ فقد كان يزورني كل أسبوع في فترة معاناتي المرضية، وهو الإنسان الذي يحرص على تعزيز التسامح وتكريس القيم والمثل الإنسانية في نفوس طلابه ومجايليه؛ وهذا ما جعله يتمتع بحب زملائه وأصدقائه من الأدباء والأكاديميين والإداريين.
الحب الصادق كالضوء الساطع؛ فالنهار لا يحتاج إلى دليل، وحبنا للدكتور حسن حجاب نابع من القلب، نقيٌّ، صافٍ، خالٍ، من أي رتوش.
عرفته في سنٍّ مبكرة مع والده وعمه في أبها عندما كانوا يزورون أخي الكبير، ثم جمعتنا صحيفة المنبر في كلية المعلمين، وكنا نهديها معاً؛ فقد كان شاباً نشطاً منجزاً لأي عمل يسند إليه، وقد ذكر ذلك عنا في مقالة سابقة، ولا أريد تكرار ما قاله. حضرتُ مناقشته الدكتوراه في جامعة الإمام فكان أنموذجاً للدارس المجتهد المحبّ لعمله وأساتذته، وكنا نلتقي في المحافل الأدبية التي يُستقبل فيها استقبالاً يليق به، وجمعنا نادي جازان الأدبي مرات عدة في لجانه المختلفة قبل أن يأتي قرارُ تعييننا معاً في مجلس إدارة النادي الأدبي، وتم ترشيحه بالإجماع رئيساً للنادي، ورُشحتُ نائباً له، وقضينا فتراتٍ ممتعة بين زملائنا في النادي الأدبي وخارجه. أعجز عن أن أكتب عن خصاله الحميدة وأخلاقه الرفيعة وثقافته العالية، وروحه المتسامحة وقلبه الكبير؛ فهو كما قلت كثيرٌ جداً.
نال عن جدارة واستحقاق جائزة جازان للتفوق والإبداع، وتوج بها هذا العام 2020م. وكل الأوساط الأدبية والثقافية تهنئه بحب؛ فهو جدير بالجائزة التي تستحقه ويستحقها. من القلب مبارك للصديق القريب أبي حسان، وشكراً للجزيرة الثقافية التي منحتنا فرصة التعبير عما نكنه لشخصية هذا العدد الأستاذ الدكتور حسن بن حجاب الحازمي.
** **
موسوعة متكاملة
جابر محمد مدخلي
في ربيع 1421هـ كان العام الأول لي في جامعة أم القرى، وكانت اللحظة الأولى التي ألتقي فيها الأديب الدكتور حسن بن حجاب الحازمي، إلا أنه كان لقاءً شعريًا بين أوراق ديوانه (وردة في فم الحُزن). لا أعلم لماذا شعرتُ للحظة أنني أنتمي إليه؟ لفت انتباهي ذلك العنوان بيد أحد الأصدقاء الذين ينتمون إلى بيئة الشاعر نفسه، ولم أغادر من شقته إلا وهو بين يدي. عدتُ وأنا أحمله كما لو أنني قادم على حفلة فرح. أنهيته في جلسةٍ واحدةٍ ولم أتأخر عن البحث فيما بعد عن المؤلف ومؤلفاته. ورحتُ أتتبعه عن كثب. أقرأ ذلك الأسلوب اللغوي الذي استطعمته وأدمنته منذ القصيدة الأولى. وعامًا تلو عام وأنا أذاكر الحازمي كما لو أنني أستعد لأي لحظة سيحكم الله بها ويجمعنا وجهًا لوجه. تركت التوقيت في جمعنا للقدر، ورحتُ أقطف إبداعه من بين بساتين مشهدنا الثقافي السعودي الذي أرغمني في تلك الحِقبة على تتبعه، وعدم الخروج عن مساره؛ لجميل ما قدمه من أعمال بجميع فنون الأدب. تصاعد تعلقي بكل ما يؤلفه، هو وغيره، إلا أنني صرت أفتش عن ديوانٍ آخر ظنًا مني أنه لا يكتب غير الشعر. ولكن فوجئت بأنه قاص، وأكاديمي، ولديه بحوث محكمة، ودراسات نقدية؛ فانتقلت فورًا إلى جميع ما يكتبه، وتخصصت في أدبه، وكان يعلّمني المزيد عن بعد دون أن ألتقيه. وفي عام 1436هـ قررت الالتقاء به، ولكن هذه المرة كان ضمن فعالية أقامها النادي الأدبي بجازان تحت عنوان (تجربتي في الكتابة)، وكان الحازمي يدير حوارها. ذهبت ولكنني لم أطل البقاء؛ لأنني لم أكن أترقب أن أجتمع به في زحام، ولأن الذي في داخلي بعد شعوري أنني أتممت تعرفي عليه من خلال جميع الفنون الأدبية التي ألّفها ونشرها في حاجة إلى حديث خاص. وفي عام 1438هـ التقيت به واقعيًا للمرة الأولى، ثم توالت اللقاءات، وتوالت قراءاتي له، وصارت من المعين نفسه؛ فقد حصلتُ منه على معظم أعماله، ولم أنتظر لفسحة الوقت، بل منذ ليلتها أعدت الذي قرأته سابقًا ثم تابعت ما لم يكن بحوزتي من مؤلفاته. وعندما أنهيته هاتفته وأخبرته بأنني أمام محيط لا قرار له، واليوم بوسعي أن أقول للتاريخ: إنّ الذي ذاكرته منذ البدء ثم قرأته في الأخير ليس مؤلفًا، أو أكاديميًا ناقدًا، أو شاعرًا أو قاصًا عاديًا، وإنما هو عبارة عن موسوعة متكاملة.
** **
الأديب الجامع والناقد اللامع
سارة فوزي الجارحي
إنَّ الحازميّ ليس ناقدًا وأكاديميًّا سعوديًّا فحسب، بل هو مبدع في الضروب الأدبية كافةً، وصاحب ذائقة عالية، نجد ثماره تعتلي الفنون، وأحرفه تحوز المزن، كأنها فيض من سحر، أو سيل من عسل. أبدع شعرًا في ديوانه «وردة في فم الحزن»، ونثرًا في مجموعاته القصصية: (ذاكرة الدقائق الأخيرة، تلك التفاصيل، أضغاث أحلام، أمس). لجأ الحازمي في قصصه إلى الرمز واللغة الشعرية؛ ليحقّق مستوى فنيًّا راقيًا، يبعد به عن الإفضاء المباشر برؤيته الفكرية العميقة، ووظّف بناءً فنيًّا متنوّعًا في الأحداث, والشخصيّات، والمكان والزمان، واللغة الفصحى والعامّية، والأساليب السرديّة؛ فأسهم هذا البناء في تجسيد رؤيته في نصوصه القصصيّة. تنوَّعت هذه الرؤية لديه فكان معالجًا لقضايا عصره، محاولاً تسليط الضوء على القضايا الشائكة في المجتمع، يروم لفت الانتباه إليها، ومحاولة إيجاد حلول من خلال ما ينسُجُه في قصصه، مثل: قضايا الاغتراب، وقضايا الفساد، والثروات العربية، والاستغلال، والاحتيال، وقضيتي الغنى والفقر، والعادات والتقاليد السيئة، والتعليم، والزواج، والهروب من المسؤولية، والنرجسية... وفي تناوله لهذه الموضوعات نجده كاتبًا موسوعيَّ الثقافة، غزير المعرفة، دقيق التفاصيل، ولا غرابة في ذلك؛ فإنه كما يقال: «هذا الشبل من ذاك الأسد»؛ فوالده هو الأديب الكبير حجاب الحازميّ، وأوافقه حين قال: «وها هي حبلى أوراقي، لكن من يقرأ أحداقي». يصعب علينا أن نقترب - ولو قليلًا - من محراب كلماتك الرفيعة، ومعانيك النبيلة، وهدفك السامق، أيها المُتَفرِّد.