خالد محمد الدوس
تلقيت نبأ وفاة الأخ العزيز والقريب الأريب.. الحبيب عبدالرحمن بن عبد الله اليوسف بعد معاناته مع المرض عن عمر يناهز 68 عاماً، والفقيد -غفر الله له- كان صاحب خلق رفيع وابتسامة دائمة واستقامة في القيم التربوية الأصلية والشيم الفضيلة.. أكسبت شخصيته المتزنة وروحه الاجتماعية العالية حُب جميع الأقارب والأصدقاء وكل من عرفه عن قرب.. لنُبل تعامله وإحساسه الإنساني المرهف وطيبة قلبه وسلامة سريرته وبشاشته العفوية التي دخل بها قلوب الأحباب والأصحاب بلا استئذان أو خجل..! لأنه كان يؤمن بمبدأ (ليس من الحكمة صناعة الأعداء) وكان بقيمه الأصيلة يتجاهل.. ويسامح.. ويتنازل.. ويبتسم من أجل حبل المودة حتى مع أولئك الذين اختلف معهم في وجهات النظر..!! عاش فقيدنا الغالي (أبا محمد) في أسرة معروفة بعمق تاريخها الأصيل في المجتمع النجدي ومن الأهالي المعروفة التي شاركت في خدمة الوطن. فكانت أسرة (آل يوسف) من عوائل الرياض المعروفة بولائها للوطن وحكامه.. ورغم المكانة الاجتماعية والحالة الاقتصادية لأسرة الفقيد لم تزده إلا خلقاً وتواضعاً ونبلاً ورقياً في التعامل مع الصغير والكبير، وبعد وفاة والده الشيخ عبد الله بن يوسف -رحمه الله- عام 1412هـ تولى رعاية إخوته فكان (الأب الثاني) لهم يحرص على استقامتهم ومتابعتهم ولم شملهم بقلبه الحنون ومشاعره التربوية الأبوية ،ثم انتقلت والدته منيرة بنت سعد العسل-رحمها الله - للعيش مع ابنها الأكبر (عبدالرحمن) في بيته فكان نموذجا يقتدى به في خصال البّر مع والدته إلى درجة أنه كان معظم وقته يقضيه معها وعلى مائدة واحدة، ويرفض الخروج من بيته إذا خرجت أسرته للمناسبات العائلية أو الفرائحية ويّصر على ملازمة والدته فكان يقوم برعاية أمُه ومتابعة أحوالها الصحية وبنفسه ولا يرضى أن يقوم أحد أشقائه أو أبنائه بنقل والدته للمستشفى إذا كان عندها مواعيد، أتذكر كنت يوماً في مستشفى الحبيب التخصصي وعندما صعدت السلم الكهربائي اذ بفقيدنا الغالي (أبو محمد) يقود والدته وهي على الكرسي المتحرك رغم كبر سّنه، فكان -رحمه الله- من الفائزين بهذا العمل العظيم، والموفقين في ميدان البّر والإحسان.
فقبل وفاته أصيب الراحل بمرض ودخل المستشفى ثم مرضت والدته بعد أن فقدت ابنها الملازم لها (حزناً عليه) ونقلت للمستشفى وتوفيت يوم الاحد 8-10-1441هـ دون أن يعلم بخبر وفاة والدته، لأنه دخل العناية المركزة ،ثم لحق بها يوم الخميس 12-10-1441هـ، ولم يعلم أحدهما بوفاة الآخر..!! حتى لا يفجع قلب كل منهما عن الآخر، ودفنا متقاربين في مقبرة شمال الرياض، وهذه من الكرامات المبشرة والعلامات المفرحة التي تؤكد صدق أعمال الّبر والإحسان التي كانت من خصال فقيدنا الغالي.
في مرضه ضرب -رحمه الله- أروع معاني الصبر والاحتساب في معاناته المرضية فكان يردد ويذكر فضل الله سبحانه عليه حامداً وشاكراً لخالقه العظيم، وبعد تردي أوضاعه الصحية في ظل معاناته المرضية لم يشتك بل كان يشكو بثه وحزنه إلى الله عز وجل، حتى ومع اشتداد مرضه كان يسأل عن الصلاة، وحريصاً على السؤال عن والدته.. فكان بالفعل يؤمن بأن الإيمان (نصفان) نصف شكر والنصف الآخر صبر.. ولعل ثباته وصبره على مرضه يؤكد عمق إيمانه وكثرة حمده لله والثناء عليه والشكر له عز وجل في كل حال حتى ومع ارتفاع درجة حرارة مرضه ومعاناته الصحية الحالكة. فترك لنا دروساً عظيمة في حسن الظن بالله والثقة به، والإيمان التام أن المؤمن كل أمره خير كما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام في حديث رواه الإمام مسلم: «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ».
رحم الله فقيدنا الغالي الإنسان (عبدالرحمن بن يوسف) ووالدته منيرة بنت سعد العسل التي لحق بها بعد وفاتها بخمسة أيام.. وأسكنهما فسيح جناته وجعل ما أصابهما من مرض وسقم تكفيراً للخطايا ورفعة في الدرجات تغمدهما الله بواسع رحمته. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.