شريفة الشملان
انتهينا في الأسبوع الماضي مع الإنسان وقد تمدن، وأصبح له مزارع، وبدأ بالاختراعات التي تساعده. وجاء الدور كي يضبط سلوكه؛ فكانت الأنظمة والقوانين. ولكن الإنسان احتاج إلى أيادٍ للعمل؛ لذا جاءت أعمال السخرة، ومن ثم العبودية.
أكبر عبودية كانت في القرنَيْن السابع عشر والثامن عشر الميلاديَّيْن لأمريكا (الأرض الجديدة)، التي أفنت السكان الأصليين، وصارت بحاجة لأيدٍ عاملة ومجانية.
الاستعمار الأوروبي أخطبوط يلف العالم، وأكثر ما لف إفريقيا. كنوز كثيرة، وأراضٍ بكر، ومناجم. تفتق الذهن الشرير عن استعباد الناس؛ فما خلقوا سودًا إلا لخدمة البيض!
بدأ النخاسون يعملون على خطف الأطفال والشباب من النساء والرجال لبيعهم عبيدًا في أكبر سوق آنذاك بأمريكا. النخاس البريطاني (إدوارد كلستون) سرق 80 ألف إفريقي، وشحنهم في سفن لأمريكا. كسر متظاهرو مدينة ويلز البريطانية تمثاله، ورموه في البحر خلال الاحتجاجات الأخيرة.
كان الساحل الشرقي لإفريقيا غالبًا يسكنه مسلمون، وكانت هناك ديانات أخرى اخترعها السكان.
نشط المبشّرون القادمون مع الاستعمار، وصالوا وجالوا؛ ليجعلوا السكان مسيحيين. هناك قول لسياسي إفريقي (القساوسة أعطونا الإنجيل، وأخذوا الأراضي). وبمناسبة الإنجيل، ترامب رفعه بوجه المحتجين؛ وهو ما أغضب الكنسية.
أعود للعنوان تحديدًا (الفوضى الخلاقة)، تلك التي قالتها السيدة (كوندليزا رايس) وزيرة الخارجية إبان الغزو الأنجلو أمريكي، الذين حرقوا وكسروا ونهبوا كل شيء، بما في ذلك المتحف العراقي، وكل ما له علاقة بالحياة الطبيعية لشعب. ما كان يحدث في العراق من سرقات وإحراق وزارات ومكتبات ونهب، أيضًا دائرة الجنسية والأحوال الشخصية، كان تخطيطًا لتغيير ديموغرافية العراق.
العرق الأسود الذي ينتفض بقوة هذه الأيام هو عرق الوزيرة السوداء نفسه، فهل ينتفض لأن شرطيًّا قتل أسود خنقًا خلال ثماني دقائق؟
عمت الفوضى أمريكا بأغلب مناطقها، ووصلت عند البيت الأبيض، واستعرت الشرطة هيجانًا، وأخذ الحرس الوطني مكانه بمكافحة شغب المتظاهرين، وهدد - لاحظوا (هدد) - الرئيس ترامب بتدخل الجيش واستعمال الطائرات لحفظ أمن أمريكا التي تقدم نفسها كمنبع الديمقراطية التي تطالب الدول بضبط النفس!
الأعراق متشابكة في دولة كانت لوقت بدايات القرن التاسع عشر تسمى الأرض الجديدة. ثارت، وكانت الفوضى، ولا توجد فوضى خلاقة؛ الفوضى تدمر ولا تبني، تبني التمزق، وتؤسس لمحو ذاكرة الشعوب والأماكن، تدمر الفن والعلم والأدب.
طاف في ذاكرتنا التي لن تُنسى بوش وهو يهدد بعودة العراق للقرون الوسطى، قرون الظلام، وفعلاً أسس للظلام والقهر.
أتمنى الآن أن تكون (كوندليزا رايس) بكامل شجاعتها أيام احتلال العراق؛ لتحدثنا عن فوضاها الخلاقة، ولتحدثنا عن القتل، ماذا وكيف وما يحدث؟ عندما قالوا لها أيام احتلالهم العراق: إن جنودكم يقتلون الأهالي في كل مكان. فردت: إنهم ذاهبون للقتل.
إن شرطتهم تقتل الناس الآن في وطنها، وتقتل مِن عرقها الذي حاولت أن تنسلخ منه. فهل تجيب عن سؤال: الشرطة وُضعت للقتل أم لحفظ الأمن؟
هي الفوضى غير الخلاقة، تشعل وتدمر وتنهب كل شيء.. لم تعد الأمر حتى كتابة هذه السطور قابلة للسيطرة ولا للكبح.
فوضى تردد صداها في كل العالم، وآلمنا ذلك في الوقت الذي يضع فيه يده على قلبه من الكورونا، الجانحة التي اجتاحت أمريكا، جانحة الانفصال، فهل تجنح السفينة بها لبر الأمان أم إنها ستذهب بها للتمزق، خاصة أن بعض الولايات فكرت في الانفصال، وهدد الرئيس باستخدام الجيش ضد ذلك، فهل يا ترى ستكون حربًا داخلية أمريكية جديدة؟ وهل كتب علينا أن نشهد جانحتَين في آن واحد؟
لا أحد يتمنى ذلك، وأمريكا مهما آذت شعوبًا، واستغلت، وأخذت إتاوات، لا حق لها بها. هي دولة كبرى، تقدم للعالم توازنًا مع دول أخرى كالصين وروسيا (لم تدخل الهند على الخط الآن لكن إن استمرت أكثر في تطورها العلمي وكبحت جماح التكاثر البشري ستصل).
التطور الأمريكي الكبير علمًا وأبحاثًا وتطبيبًا تقدر أن تعالج من خلاله ما تسببه للعالم من صداع السرطانات التي تنشرها. قد لا تتساوى سيئاتها مع حسناتها، لكنها تبقى مؤثرة في العالم. وحتى الانتهاء من كتابة هذا المقال ما زالت الفوضى (الكندوراسية) تجتاح أمريكا. اللهم سترك.