مها محمد الشريف
ما دمنا لا نعرف إلى أين تتجه العواقب الصحية والسياسية والاقتصادية في الوقت الراهن، فما حاجتنا للتفكير في توقيت زمني محدد، فالحياة تحمل كثيرًا من المفاجآت، فقد بدأ عام 2020 بإرث ثقيل من الملفات التي حملت بين صفحاتها حربًا تجارية بين الولايات المتحدة والصين، وحربًا شرسة في سوريا والعراق ومجتمعات مزقتها سياسة العنف والقتال، وصفقة قرن أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كخطة للسلام ويقول إنها «ربما تكون فرصة أخيرة» للفلسطينيين، ومن حينها لم يتوقف التفكير وراء هذه الصفقات، باعتبارها انعكاسًا لزمن يتطاير شررًا، ففي 28 يناير2020 صدم الرئيس الأمريكي العرب بإعلان خطته للسلام بتفاصيل الخطة هو ورئيس الوزراء الإسرائيلي فقط وكانت صادمة ومفاجئة للشعوب العربية لما تحمله من خسائر جديدة في قضيتهم لاستعادة القدس.
لا أحد يستطيع أن ينتصر على تناقضاته وحده دون أعوان تشترك معه في الصفات والمزايا، حتى العقل المتسائل أصبح مشبوهًا إذا لم يتفق معهم، ويتغافل عن تلك الأسس المحطمة والمتهالكة والمجتمع الممزق بسبب الاحتلال، فمهما كانت المشاعر ملتبسة فقد أسهب الرئيس الأمريكي في صياغة الخطة وإقناع العالم بما يريد، فكيف تستطيع العيش بسلام والمعطيات معظمها تترجم ذلك الاحتضار للسلام في منطقة الشرق الأوسط، والآثار المدمرة لهذه القضية الأزلية بين إسرائيل والعرب، حيث غدت فلسطين بيدقًا في لعبة شطرنج مهلكة.
وفي حادث غريب اهتزت الأرض تحت أقدام العالم، وانتشر وباء كورونا كوفيد - 19 ليغلق الأبواب والنوافذ المطلة على الحياة ويقضي على أعداد كبيرة من الناس، فبعد مرور ما يزيد على ستة أشهر على تفشي الوباء، شكّل فيروس كوفيد - 19 مأساة بشرية وحدث شيء لن ننساه ألقى بظلاله على كل جوانب الحياة البشرية في الأرض، وأثرت تداعياته على الملايين، وتعطلت حركة الاقتصاد العالمي وأصبح الأساس تعزيز الوقاية من الخسائر الضخمة فشهدت مؤشرات الأسواق في جميع أنحاء العالم انخفاضات كبيرة في ضوء تراجعات القيم السوقية للكثير من الأسهم حول العالم بنسب تراوح بين 10 في المائة و50 في المائة خلال الأشهر القليلة الماضية.
وما زالت الأجواء ضبابية، وليس هذا الوقت المناسب لأن تحد أي دولة من جهودها لمكافحة الفيروس كما حثت منظمة الصحة العالمية دول العالم على مواصلة جهودها لاحتواء فيروس كورونا المستجد، مشيرة إلى أن الوباء يتفاقم عالميًا ولم يبلغ بعد ذروته في أمريكا الوسطى.
رغم ذلك، وفي أحلك الظروف على العالم سعت تركيا جاهدة لاقتحام الساحة الليبية سياسيًا وعسكريًا، ويعد هذا التدخل خطرًا محدقًا بسيادة دولة وغير مبرر لأردوغان، ولكن ذلك يدل على حجم الأطماع التركية في ليبيا والعوائد الهائلة التي ستعود على اقتصادها المنهار والممزق، حيث تتضح المصالح التي ستحققها أنقرة من الأموال الليبية.
فلم توقف الكارثة الصحية شياطين الأرض عن حرق جثمان السلام، يعيشون في انخفاض فوري للقيمة الإنسانية التي يرافقها ذعر وعنف منظم يقوم به أردوغان ليقتل شعب ليبيا ويمكن إخوان الشيطان منها والكل يندثر معهم، وينسب كل شيء إلى نفسه، واستمرار المعارك وحشد عسكري من مرتزقة وإرهابيين، تمهيدًا إلى التقدم باتجاه مدينتي سرت والجفرة، الواقعتين وسط ليبيا والقريبتين من الحقول النفطية. لذا فإننا حين نتحدث عن عام 2020، علينا أن نسأل أنفسنا، عن أي الحوادث نكتب أولاً عن الأصعب أو الأكثر خسارة بين الحرب أو الوباء؟، وما من شك أننا قدرنا حجم الكارثة الصحية والجانب الآخر الأكثر ديمومة وهو جانب الصراع والمقاومة، والقمع الاجتماعي الذي له تبعات سلبية فظيعة أكثرها هدمًا مرحلة العبودية، فالتظاهرات ضد العنصرية في الشارع الأمريكي أشعلت فتيل الثورة ضد المؤسسات والمسؤولين واشتاطوا غيظًا وغضبًا من حوادث العنصرية المتكررة بين البيض والأقليات وأصحاب الأصول الإفريقية في البلاد، ولكن هذا هو التاريخ الذي يرفض أن يصمت.