د. زايد الحارثي
أصبحت الجامعات في العصر الحديث هي المحضن والمعقل الأساسي للفكر والتنوير، وإعداد القادة، وبناء الأجيال، وتخريج الكفاءات، والارتقاء بتنمية المجتمعات، وتقديم الاستشارات والخبرات، وتنمية المواهب والمبتكرات، والمساعدة في حل المشكلات وطرح النظريات، بل أصبحت مصدر الاستثمار للعقول، وهي بذلك تسهم في خدمة الأوطان، وتحقيق أهدافها الاستراتيجية والآنية. وبناء على ذلك فالواجب صيانة هذه الأهداف والخدمات والوظائف التي تقوم بها الجامعات، وترشيد وتهذيب الأدوات التي تنطلق منها تحقيق الرسالة السامية للجامعات، وهكذا نجد ونلحظ جامعات العالم المتقدم تسير وتحافظ على هذه الوظائف باقتدار، وتنطلق منها وبها إلى أرحب المجالات، بل أصبحت مصدر الاستقطاب والاستثمار حتى نجحت في تحقيق رسالتها في رعاية الأجيال، وتحقيق أهدافهم، وتحقيق المهارات والمعارف التي يحتاجون إليها لحياتهم وحياة مجتمعاتهم، بل تحرص تلك الجامعات دائمًا على الاهتمام تفصيلاً بانتقاء الأطر العامة التي تنطلق منها في تنفيذ السياسات، وتحقيق الأهداف السامية للوطن والمخرجات. وبناء على أن الأساتذة أعضاء هيئة التدريس هم مَن يقوم بتنفيذ أهداف وبرامج الجامعات، ويقدمون النموذج المناسب لطلابها في العلم واكتساب المهارات، فقد حرصت الجامعات، وبخاصة تلك التي تهتم وتحرص على صيانة مخرجاتها، والاهتمام بها، على أن تختار الأساتذة المميزين، وتتابع تقييمهم بشكل دوري حتى تحقق غاياتها السامية التي أشرتُ إليها، بل تحرص كذلك على حماية الأجيال من أي فكر منحرف، من شأنه أن يحرف الشباب عن المهمة الرئيسية في التعلم واكتساب المهارات النافعة.
ولكن الانحراف عن تلك الوظائف أو الرسالة سيؤدي إلى الإساءة لوظيفة الجامعة، بل تعطيل حركة النمو والأمان للوطن؛ لأن منظومة عجلة الحياة والاستقرار في المجتمع تسير متواكبة مع بعضها.
ونحن في جامعاتنا السعودية التي نحظى فيها بدعم ورعاية مميزة من الدولة نحتاج إلى استحضار الغايات الوطنية السامية، والآمال المثالية من الجامعات؛ فلا فكر منحرفًا أو متطرفًا يجب أن يندس في منظومة العمل الجامعي؛ لأن ذلك سيلوث فكر الشباب؛ وبالتالي يسيء للكل كما حدث ويحدث مع فيروس كورونا. والحمد لله أنه قد حبا الله جامعاتنا بإداريين في مناصب قيادية، انتبهوا لهذه المشتتات، وبخاصة تلك التي تخص الجانب الفكري من العملية التعليمية، وحتى لا يساء فهمها أو نقلها إلى الشباب، وهي شاذة بكل المقاييس من خلال من ائتُمنوا على نقل المعارف والعلم للطلاب.
وقد عمل هؤلاء المسؤولون في جامعات سعودية عدة على متابعة هذه الانحرافات من بعض الأساتذة أو الطلاب، وهم شواذ على كل حال، وعملوا على تنقية الجامعات منها. ولنا مثل في ذلك بالدكتور فريد الغامدي وكيل بجامعة أم القرى الذي وعى الرسالة، واستشعر الواجب في هذا المجال، ونهض به، وقدم الواجب للاهتمام بهذه الجوانب التي تكدر الجو الصافي للعمل الأكاديمي. وهكذا نحتاج باستمرار إلى المتابعة والتطوير للبرامج الجامعية والقائمين عليها وعلى تنفيذها.