صبحي شبانة
في استمرار لسياسة اللا منطق التي تنتهجها قطر، وفي تحد مجنون لقوانين حركة التاريخ، ورغم مضي أربع سنوات على ما بات يعرف في الذاكرة السياسية بالأزمة القطرية التي اتخذ فيها الرباعي العربي (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين) قراره بمقاطعة الدوحة عاصمة الإرهاب، بهدف لجم وتصويب السياسة القطرية، وإجبارها على وقف دعمها المستمر للجماعات والتنظيمات الإرهابية، إلا أن نظام الشيخ تميم بن حمد لا يزال مستمراً في غيّه وعناده بضخ أموال القطريين في جيوب وإنفاق الجماعات الإرهابية التي تتحرك زعاماتها في العاصمة القطرية بحرية على الملأ وعلى مرأى ومسمع من العالم، بل إن عدداً منها اتخذت لها مقرات تجاوز دورها سفارات الدول مثل: طالبان، وبوكو حرام، والقاعدة، والنصرة، والنهضة، وداعش التي كانت تصفها قناة الجزيرة بتنظيم الدولة، والإخوان، وحركة الشباب الصومالية، والحوثيون، بل وصل الأمر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية حينما اضطرت للتفاوض مع حركة طالبان التي تصنفها إرهابية لم تجد إلا قطر لرعاية المفاوضات، والدوحة لاحتضان جولاتها، ومن ثم التوقيع على الاتفاق بين مسؤولي الجانبين، طالبان وأمريكا، في مشهد يثير العجب والدهشة.
الدعم القطري للإرهاب اتخذ على مر السنوات الماضية أشكالاً عدة، تنوّعت قنواته بين الدعم المباشر، أو تقديم الفدى لإطلاق أسرى، أو التبرعات السخية عبر جمعيات خيرية وإغاثية في مقدمتها مؤسسة قطر الخيرية التي يأتي تمويلها حسب كتاب «أوراق قطرية» الذي أصدره الصحفيان الفرنسيان كريستيان شينو وجورج مالبرونو، من: الديوان الأميري، والشيخ جاسم بن سعود بن عبدالرحمن آل ثاني، والشيخ خالد بن حمد بن عبدالله آل ثاني، والشيخ سعود جاسم أحمد آل ثاني، والشيخ محمد بن حمد آل ثاني، وشركة سخاء للخدمات، ووزارة الخارجية، والشيخ ناصر بن حمد بن خالد آل ثاني، والشركة القطرية الوطنية للتوريد والتصدير، والشيخة نهلاء بنت أحمد بن محمد آل ثاني، وشركة وقود قطر، والمكتب الخاص للأمير الوالد، وصندوق التنمية القطري، وكما يظهر من الأسماء فإن جميعها تنتمي لأسرة آل ثاني، وشركات تملكها الدولة القطرية، ما يعني أن دعم قطر للإرهاب ينطلق من عمل مؤسسي وبنيوي متجذّر في عقيدة الدولة القطرية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.
يرى المؤلفان أن المشروع القطري التخريبي يستوحي مباشرة من نظرية حسن البنا، مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين»، الذي يدعو إلى تحويل الإسلام إلى أداة شاملة للحكم التعسفي، تحدد توجّه كل شيء في المجتمع والدولة، لا سيما التربية والسياسة، وصولاً للانقضاض على السلطة والحكم، أي أن الدين في مفهوم الجماعة منذ نشأتها مجرد وسيلة وليس غاية، مجرد أداة لمشروع تخريبي تدميري للدولة العربية الوطنية، فوفقاً للكتاب، إن أيديولوجية الإخوان المسلمين هي جزء لا يتجزأ من الحمض النووي DNA لقطر، وأن يوسف القرضاوي، لعب دوراً كبيراً في تنفيذ هذا المشروع التدميري الذي تلقفته قطر لفرض الهيمنة على الدول العربية بخلق بؤر إخوانية إرهابية تهدِّد استقرار الدولة العربية الوطنية، وتمزقها تمهيداً لعودة وهم دولة الخلافة المزعومة متجاهلة أن كل تجربة تاريخية هي بنت زمانها، لا يمكن استعادتها أو تكرارها، ولأن قطر مجرد دويلة صغيرة هشة فقد عمدت على توظيف وفوراتها المالية الضخمة في الإنفاق على الجيش التركي واستخدامه كأداة في تنفيذ المخطط الإخواني بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المريض بداء أوهام استعادة الخلافة العثمانية البائدة.
لم يتوقف التمويل القطري عند دعمها السخي للجماعات الإرهابية، بل تجاوز ذلك بكثير إلى أن قطر تموّل تدخلات تركيا في ليبيا، كما موّلت من قبل التدخل التركي في سوريا، وموّلت من قبل استئجار جزيرة سواكن السودانية لبناء قاعدة عسكرية تركية على البحر الأحمر لتكون في خاصرة كل من مصر والسعودية، كما موّلت قطر بناء أكبر قاعدة عسكرية خارجية لتركيا في مقديشيو بالصومال والتي تم افتتاحها عام 2017، وقدَّمت دعماً مباشراً للاقتصاد التركي بـ15 مليار دولار عام 2018، ودعماً غير مباشر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمثَّل في شراء الشيخة موزة عقارات بمليارات الدولارات في إسطنبول وأنقرة وعلى شاطئ البوسفور، في صفقات حظيت بدعم أردوغان ولقيت اعتراض العديد من الأحزاب الوطنية التركية.
آفة أهل الحكم في الدوحة تكمن يقيناً في عدم النضج السياسي، وأن انقلاب الأمير الوالد «كما يطلق عليه» على أبيه الشيخ خليفة في صيف عام 1995 أفقده شرعية الحكم بين دول مجلس التعاون والعديد من الدول العربية، وهو ربما ما يفسّر بحث الأمير الوالد حمد بن خليفة وابنه تميم حاكم قطر الحالي عن شرعية حتى لو في التحالف الشيطاني مع التنظيمات الإرهابية وتركيا علها تعالج «دون جدوى» نقصاً في شخصيتهما لا شفاء منه.