لطالما دار جدل وكل أدلى بدلوه بطرح مقارنات بين الشاعر (النجم) والشاعر (المتميز)، وأخذت التهم تكال جزافا حينًا بأن هذا شاعر مطبوع والآخر مصنوع، وأُقحم دور الإعلام في تلميع اسم وصورة هذا على حساب ذاك، وهذا الأمر ليس بجديد أو حكرا على شعراء دون غيرهم، فقد قارنوا ذات يوم بالمعيار نفسه بين تجربة الشاعر نزار قباني والشاعر بدر شاكر السياب رحمهما الله وقالوا ما نصه: (نزار نجم شعري كبير ومتوهٌج.. السياب شاعر مهم وعابر للزمن) واستطردوا بقولهم: (السياب ربما يكون أهم من كل مجايليه بما فيهم نزار، وتحديدا في مرحلة صعود قصيدة التفعيله، وإن افتقرت حياته إلى هالة النجومية تلك، والسياب هو الشاعر الذي اخترع لغة مائية بالغة الخصوصية تستند على الرومانسية الواقعية من جهة وعلى نزوع إلى التعبير عن خلجات النفس بلغة جديدة ومختلفة فيها نفس وجودي متدفق من جهة أخرى، وهو بكل بساطة ورغم قصر حياته حاول اجتراح آفاق مجازية تعبّر شعرياً عن حالة القلق التي كان يعاني منها الشاعر العربي الحديث، مع أن عمر السياب الشعري لم يتعد العشرين سنة.. وامتد عمر نزار الشعري إلى ما فوق الخمسين سنة فكرر نفسه في قصائد لا تحصى، السياب توهّج وانطفأ سريعاً ولكنه ترك بصمة لا تمحى وغيّر مجرى القصيدة العربية إلى الأبد بينما كان نزار شاعر حب جميل ولغة شفافة عذبة تدغدغ القلوب، رغم أنه لم يترك أثراً عميقًا في الشعرية العربية كأدونيس مثلا، أو سعدي يوسف، أو محمود درويش). (1)
هذا غيض من فيض من المقارنات بين النجومية والتميز -التي لازالت الصورة ضبابية إلى حدٍ ما في تبيان ماهية كلٍ منها عند البعض- والأمر ينسحب على ما كان أُثير ويُثار في الساحة الشعبية من حين لآخر حول أسماء شعرية لامعة تصدّرت المشهد من أعوام طويلة خلت ولا زال بعضها وكثر الجدل المتكرر حولها باللغة النمطية السائدة إلى حدٍ ما -مع أو ضد- وكان الأولى بعيدا عن الانطباعية الاستناد إلى ما في جعبة هذه الأسماء من -منظور نقدي- لإنصافها فهناك من الشعراء، والشاعرات من جمعوا بين -التميّز والنجومية- مثل الشاعر مساعد الرشيدي -رحمه الله- الذي لا يزال رفاع الذائقة يشيدون بروائعه الشعرية ومنها قصيدته التي غنّاها الفنان عبدالمجيد عبدالله التي مطلعها:
عين تشريك شوف وعين تظماك
لا ذبحني ظماك ولا رويتك
إن طلبت الغلا قلت الغلا جاك
وإن سكنت الخفوق البيت بيتك
بين فرحة لقاك وهم فرقاك
لاتذكّرت جرح ولا نسيتك
وكذلك الشاعر نايف صقر المتميز في كل أغراض الشعر الذي غنّى له الفنان نفسه قصيدته التي منها:
صحّيت جمرة وذاب الشمع والسكّر
وشلون ما أتذكرك وتمر في بالي
في بسمتك يضحك الرّمان للمرمر
وبعد يغار الشهد من ريقها الحالي
ويحق لك يا صغير السن تتكبّر
إلاّ على اللي يحبك يا بعد حالي
كذلك مجموعة شاعرات يملكن كل مقومات النجومية قدّمن أرق قصائدهن مثل الشاعرة مليحة الفودري التي تقول:
لا تناظرني حبيبي وإنت تسأل عن حنيني
أصرخ بهمّك وعاتب لي متى جرح المشاعر
ايه أحبك ما نسيتك والهوى بينك وبيني
وأدري إنك لو تغاضى عن هموم الوقت قادر
لا ظمى شوقك حبيبي ارتوي من شوف عيني
ما هو ذنبي لا جرحتك جيتني بإحساس شاعر
وكذلك الشاعرة بشاير الشيباني ومن قصائدها قولها:
ولي شفت الزهر يرقص أتوه بنفحه من عطرك
ويوصلني صدى صوتك يطاردني بمتاهاتي
تناديني بدفا شوقك وأنا بردانه من هجرك
وأحس دفاك يبعثرني ويلملم باقي أشتاتي
وأصير برجعتك طفله أداعب مدّك وجزرك
وأذكر كل شيء يطري عليّ وأعجز سكاتي
أيضا الشاعرة نجاح المساعيد التي تقول:
تاهت شفاهي بزحمة صمتك المغري
عطّلت كل الحكي بشفاه محبوبك
عذري فؤادٍ حوى من وجدك العذري
مطلق عنان القوافي بالهوى صوبك
يا بدري اللّي تمنيت أنظره بدري
أدري بأني رهن أمرك ومطلوبك
(1) المجلة الثقافية الجزائرية
** **
- محمد بن علي الطريّف