عبدالعزيز السماري
وصل تأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى كل مكان، ولا تخلو من الغرائب والغث والسمين، وأيضًا من الموضوعية والمصالح الشخصية، لكن كان آخر هذه الغرائب أن يدافع مسؤول عن قرار هو اتخذه، في الإنترنت، ومن خلال تغريدة. وبدلاً من تقديم تبريرات القرار يبرر ذلك بمهاجمة سلوك الناس، وهي متلازمة قديمة؛ فالنخب إذا فشلوا هاجموا العوام..
كان ذلك قاسمًا مشتركًا في مختلف أزمنة التاريخ؛ فالعوام أو الدهماء يساقون من خلال النخب إلى حيث مصالحها؛ والسبب تدني مستويات العلم بين بعضهم؛ ولهذا تجدهم دومًا يبحثون عن الإجابات القطعية، وقد تأخذهم قيادات الخطاب إلى مسارات مظلمة، قد تصطدم بمصالح الوطن والناس.
كانت تفجيرات الشباب الصغار بأنفسهم أكبر دليل على انقياد العقول لهذا الفكر، وليست مقتصرة على دين أو عقيدة، فتجدها في كل مكان وزمان، ويظل القاسم المشترك هو تدني العلم والموضوعية، والفهم الصحيح للأفكار أنه لا توجد حقائق قطعية في المعرفة؛ ولذلك يجب أن يتعلم الإنسان مبكرًا البحث عنها بين الكتب وخلال السطور.
في كثير من الأحيان يصنع العوام رموزًا لهم، ويدفعون بها إلى المقدمة وسط هالة من التقديس والتنزيه، كذلك هو الحال في العلم والصحة وغيرها من مواضيع الحياة؛ فتجدهم يبحثون عن الإجابة عند ذلك العقل فقط، بينما الصح أن يتعلم البحث عن المعلومة إذا كان يملك أدوات البحث، وذلك هو بيت القصيد في الفَرْق بين مجتمع متقدم وآخر متخلف، وأن يجيد طرح الأسئلة في توقيتها المناسب..
ربما يقوم العائق اللغوي بدور هائل في حجب الرؤية بين دول العالم الثالث والعالم المتقدم؛ فالمعرفة تُكتب إلى الآن في هذا الجزء من العالم بلغة أجنبية، والغالبية تجد صعوبة في فهم المصطلحات العلمية، ولا يزال المشروع الحلم ينتظر دوره في برامج التنمية الشمولية..
لذلك تدخل المعركة ضد الوباء الحالي من ضمن امتحانات الوعي الحقيقي؛ فالمواطن عليه أن يدرك أن التباعد الاجتماعي سلاحٌ لا بد منه ضد الوباء، وأن الكمامة وسيلة فعّالة للحد من انتشاره، كذلك على المسؤول أن يتوقف عن تحميل سلوكيات الناس أخطاءه في تغيير الأدوية التي ثبت نجاحها في التجارب السريرية، وعدم الدخول في متاهات سياسات الأدوية وشركاتها ومصالحها..
رُبّ ضارة نافعة؛ فقد يخرج الإنسان العربي من هذه الجائحة أكثر وعيًا بأهمية أمنه الصحي والاجتماعي؛ فالحياة بدون توفير شروط السلامة تدخل في المخاطرة وقتل النفس بدون وجه حق؛ ولذلك على الجميع في الوطن الوقوف جنبًا إلى جنب في مواجهة الوباء؛ وذلك من أجل أن نعود إلى حياتنا الطبيعية.