محمد سليمان العنقري
لعبت الصناعة دوراً رئيسياً ببناء مجتمعات ما باتت دولهم هي المتصدرة للمشهد الاقتصادي العالمي بسيطرتها على المراتب الأولى فيه فجميع الاقتصادات الكبرى بالعالم هي صناعية بل ومن خلال اقتصادها الصناعي أصبحت المهيمنة على التجارة البينية الدولية التي يبلغ حجمها قرابة 21 تريليون دولار أميركي كما أنها حققت لنفسها وبسبب تطورها الصناعي مكاسب لم تقف عند الاقتصاد بل في ميادين السياسة وصراع الحضارات وهي الكاسب الأكبر من العولمة وكذلك المستفيد بنسب كبيرة من المنظمات الاقتصادية الدولية كمنظمة التجارة العالمية وغيرها فهي القادرة على تلبية احتياجات أسواقها الداخلية وكذلك العالمية مما أدى للتسارع بتحسن مستويات المعيشة والتعليم والدخل لأفراد مجتمعات تلك الدول الصناعية المتقدمة.
فالصناعة عامل رئيسي لتحقيق استدامة التنمية من خلال توليد ضخم لفرص العمل وتلبية احتياجات السوق المحلية وإيجاد الحلول لأي احتياجات طارئة نتيجة أحداث اقتصادية أو جيوسياسية فالصناعة المتقدمة والمتعددة عامل قوة ضخم لأي اقتصاد تمنحه المرونة للتعامل مع الأزمات مما ينعكس على تعزيز الاستقلال الاقتصادي الذي تنشده جميع الدول فزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد تعد الصناعة ركيزتها الأساسية، وقد تكون جائحة وباء كورونا فرصة للتعرف أكثر على واقع الصناعة السعودية وما ينقصها وما تحتاجه لتلعب دوراً أكبر في التنمية ولترتفع مساهمتها بالناتج المحلي حيث ما زال عدد المصانع محدودا عند 7600 مصنع باستثمارات تصل الى 1،1 تريليون ريال لكن جلها تتركز بالصناعات المرتبطة بالنفط والغاز ومشتقاتها بينما تستورد المملكة قرابة 90 بالمائة من احتياجاتها بقيم تتجاوز 500 مليار سنوياً مما يعني أنه يوجد فرص صناعية هائلة، ولعل هذه المعلومات وغيرها منشورة ولا تضيف جديداً إنما الواقع اليوم فرض نفسه أمام جميع دول العالم بأنه لابد من زيادة الإنتاج المحلي من سلع عديدة ونقل وتوطين التقنية للنهوض بالصناعة المحلية.
فالعالم يواجه ركوداً اقتصادياً بسبب الإقفال الكبير لكن مع ذلك ظهر أيضاً طلب على سلع ومنتجات نهائية في المجال الطبي والغذائي وغيرها من الأجهزة التي تخدم العديد من القطاعات الصحية والتعليمية وغيرها، وإذا كان للسياسات النقدية والمالية دور دائم لمواجهة الأزمات الاقتصادية فإن توجيه تلك السياسات لتنشيط الاقتصاد بما ينعكس بشكل كبير على القطاع الصناعي سيؤدي لتسارع سرعة تعافي الاقتصاد عبر زيادة الطلب من الإنتاج المحلي وإعطاء الميزة للمنتج المحلي مما يمثل عاملاً مهماً بزيادة الاستثمارات الصناعية إلا أن ذلك قد لا يكفي ليعزز من قوة قطاع الصناعة بل إن دراسة واقع كل مصنع عبر «اختبار لقياس التحمل» مع إضافة أنظمة وتشريعات مبتكرة تسمح بأن تكون بعض منتجاتنا التحويلية جزءا من مدخلات أجهزة أو معدات تستورد بكميات كبيرة لسوق المملكة كالسيارات أو الأجهزة الالكترونية وغيرها عبر التفاهم مع الشركات التي يعد سوق المملكة بالنسبة لها من أكبر الأسواق مما يعني بداية بناء شراكات مع تلك الشركات وإمكانية بناء خطوط إنتاج لها بالمملكة مستقبلاً والحال ينطبق على صناعات أخرى نمتلك فيها مزايا كمواد خام أو وسيطة.
المرحلة القادمة ستكون الصناعة عنوانها بالعالم أجمع وسيكون التركيز كبيراً على زيادة الدول لإنتاجها المحلي من مختلف الصناعات الخفيفة والمتوسطة على وجه التحديد مما يعني أن مواكبة هذا التوجه العالمي الذي سيكون أشبه بالسباق ومليء بالتحديات ويتطلب مراجعة لواقع الصناعة المحلية والتوجه المستقبلي الأنسب بعد جملة التحولات الدولية التي نشهدها حالياً بما في ذلك التحولات المطلوبة بقطاع التعليم من حيث التركيز على التخصصات التي تخدم القطاع الصناعي وأيضاً توجهات التمويل بالاقتصاد بأن تكون الأولوية للصناعة وأي نشاط يدعم الطلب على المنتج الصناعي المحلي.