خالد بن حمد المالك
كانت صدمة مدوية حين انتشر خبر وفاة أخي وزميلي الدكتور عبدالعزيز النهاري، مثلما أن وفاته كانت المحرك والباعث على استقبال الخبر بكثير من الحزن والألم، مع الشعور بأننا أمام حدث لا يمكن استيعابه فوراً، وإن كنا قد اعتدنا أن نتقبل وفاة أي مريض عانى طويلاً من مشاكل صحية، ومن عجز الأطباء في إنقاذ حياته كما هي حالة الزميل الدكتور النهاري، مع إيماننا بأن هذه نهاية كل إنسان، طال المدى في حياته أو قصر.
* *
ومن يعرف الدكتور النهاري، أو ربطته به زمالة، أو كان على تواصل في عمل مع الفقيد، فسوف تحاصره الآلام والأحزان أكثر، ولن يقوى على مقاومة تأثره مما مسَّ حياته إثر خسارته لرجل نبيل بمواصفات كان يتميّز بها الدكتور النهاري -رحمه الله- كما لن يكون بمقدوره أن يخفي مشاعر الحزن التي تأتي متجاوبة مع حجم الفقد، وبما يليق بالفقيد.
* *
زمالتي مع عبدالعزيز مكنتني من التعرّف عن قرب على خلقه ونبله وتواضعه، والجوانب الإنسانية الكثيرة التي كان يتميّز بها، فلم يكن (لجوجاً) أو عدوانياً، وإنما كان هادئاً بطبعه، لا ينتقم لمن يسيء إليه -إن وجد-، وكان على قدر عال من الخلق في مواجهة التحديات والتعامل معها بالحكمة والعقل والاتزان، في أجواء تسامحية كان فيها الفقيد الشخصية التي تفرض احترامها وتقديرها، بما لا يمكن أن يختلف عارفوه على ذلك.
* *
جمعتني بالزميل النهاري مواقف كثيرة، أبرزها سفرنا معاً ضمن مجموعة من الزملاء في عدد من الرحلات الملكية والأميرية خارج المملكة، وفي السفر اكتشفت كوامن التميز في شخصية الفقيد، وحرصه على التآلف مع جميع الزملاء بروح من الأخوة التي يسودها الخلق والتعاون والتواضع، والمحبة، وتوقير الآخرين، والنأي بنفسه عن أي تصرف يثير غضب الزملاء، وتوفير الأجواء بما يكرِّس حق الزمالة ويقويها ويجسّرها على نحو كان يخلق المزيد من الفرص نحو التعاون بينه وبين بقية الزملاء.
* *
وعلى مستوى العمل المشترك، فقد جمعتنا معًا صحيفة الجزيرة تحت مظلتها حين اخترته ليعمل في مكتبها في جدة حين كنت رئيساً لتحرير الصحيفة في فترتي الأولى، وقد وجدت فيه من النشاط والكفاءة والإخلاص والجدية في العمل والقدرات المتميّزة ما رأيت أنها تؤهله ليس كمشروع صحفي ناجح في المستقبل، وإنما كقيادي إعلامي، وهو ما حدث حيث أسندت له لاحقاً رئاسة التحرير في صحيفة البلاد ثم عكاظ بالتكليف.
* *
على أن طموح الزميل النهاري التعليمي لم تشغله عنه أعماله الصحفية والإعلامية الناجحة، وإنما واصل تعليمه الجامعي بجامعة الملك عبدالعزيز، ثم الماجستير والدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية، بما أهّله ليكون عضواً في هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز، إلى جانب نشاطه في التأليف والأبحاث والإعلام التي ظل إلى حين وفاته يعطيها من وقته واهتمامه وجهده الشيء الكثير.
* *
كثيرٌ من الكلام يمكن أن يُقال -وهذا بعضه- عن سيرة رجل خدم الصحافة والإعلام على مدى أربعين عاماً، ومثل ذلك هناك ما يستحق أن يُشار إليه عن تعليمه ومؤلفاته وأبحاثه، إلى جانب خلقه وسماحته وتواضعه ونبله، وهي بعض من صفات كثيرة كانت تميزه، وتضعه في موقع الرضا بين زملائه، وممن كان قريباً منه.
* *
رحم الله أخي الدكتور عبدالعزيز محمد النهاري، وجعله في جنات النعيم، وألهم ابنه محمد وبناته د. جواهر وولاء وآلاء وحياة وحنين وزوجته وذويه وأصدقاءه وزملاءه في الوسط الصحفي والتعليمي الصبر والسلوان، وهكذا هي الحياة؛ قطار سريع ينقلنا من عالم إلى آخر، فعظّم الله أجر الجميع وأحسن عزاءهم.