عبده الأسمري
نسير في دروب الحياة بين اتجاهات ومواجهات تمضي بنا إلى «وجهات» تحددها مسارات «القدر» وتمددها منحنيات «القدرة» فنظل بين «اختيار» و»انتظار» ونبقى في ظلال «عزائم» و»هزائم» تأخذنا نحو مرافئ «الأمان» أو تيارات «الخذلان» فلا نعلم ماذا نكسب غدًا؟ ولا ندري بأي أرض نموت؟..
نرسم «أمنياتنا» «حين من الدهر» ونعلن «انتصاراتنا» في «فصل من الزمن» ونعيد حساباتنا في «وقت من الدنيا» فتتعالى في أرواحنا «أصداء» الماضي وتتراكم في أنفسنا «مصائر» الحاضر وتتردد في عقولنا «توجسات» المستقبل.
تحيط بنا «الغفلة» فنعتز بقوة «مؤقتة» فننخدع بذوات «مسيرة» لا تملك حق «التغيير» إلا من خلال مكامنها.. ولا تمتلك أداة «التنوير» إلا من واقع أخطائها.. فنسقط في «قبو» مظلم من الندم يأخذنا إلى حيث «البدايات» عندما كنا خاضعين للتوجيه وقابلين للتشكيل في مرحلة من عدم الاكتمال الذي يظل جانب «خفي» لا نراه إلا بالتدقيق في تصرفاتنا والتريث في سلوكياتنا..
الاستقصاء «فعل» أدمي أزلي يعود إلى «طبيعة» بشرية لا بد أن تخضع للتحكم وأن ترتهن للحساب حتى لا تطغى على «خواص» الآخرين مع ضرورة استغلال هذا السلوك في سبر أغوار النفس بشكل ذاتي ووضعها في حيز «النقد» وتحويلها إلى مساحة «التحليل» وانتظارها في مجال «التقويم» وصولاً إلى اتجاهين من المنطق احدها في منع الأخطاء نحو الغير والآخر نسب المسالك إلى الذات.
ولكن الاستقصاء المذموم ما يمارسه المتشبثون بالفضول المتلهفون للشماتة المتلحفون بالنمائم المسجوعون بالماثم في القفز على «أسوار» الخصوصيات وإجادة «أدوار» التجسس في تقصي بائس عن أوجاع الآخرين لرفع مستويات «الحقد» أو البحث عن أفراح الغير لزيادة معدلات «الحسد».
بيننا «فرق» سخيفة للاستقصاء الاجتماعي يقوم عليها «فارغون» من الفكر و»غارقون» في البحث..مهمتها الوصول إلى تفاصيل تخص آخرين للنيل من ملكاتهم «الفكرية» أو ممتلكاتهم «الحياتية» أو أملاكهم «الذاتية» في أفعال «بئيسة» تشوه وجه «الحرية» وتبدل رداء «الهوية» فتتولد في المجتمع «أمراض» القلوب وتتوارث بين الأجيال «عقد» النقص.
رغم تغير أحوال الحياة وسطوة التوعية وهيمنة التثقيف إلا أن هنالك من يراقب غيره ويرتقب أخباره لتغيير الحقائق وتعديل الدلائل ووصولاً إلى تفاصيل أكثر في كل اتجاه بعد أن تحول هذا السلوك إلى عادة مستديمة ذميمة سخرت «اللؤم» في خدمة «الأنا» وشحذت «السوء» في صناعة «الخطأ»
هنالك من يستعين بالاستقصاء في المجتمع ليمارس «الإقصاء» في توظيف مآربه الشخصية وإقناع نفسه المريضة ملاحقًا «الأبرياء» بسوءات «أكاذيبه» ومصادقًا «الجهلاء بتشابه «صفاته» ومواريًا «سوءاته» باختلاق أقاصيصه ولابسًا «الأقنعة» لتمرير «أباطيله».. فنراه يقلل من جهود زملائه أو ينكر عرفان أصدقائه أو يجحد فضائل غيره.
بين الاستقصاء والإقصاء ارتباط تعكسه العقول الفارغة من التفكير والأنفس المارقة من الحق فتأتي موجات من النكران تسعى إلى التشويش على «شمس» الحقيقة والتطميس على «نور» الواقعية ولو حللنا شخصيات المنتمين إلى هذا «المعسكر» المغفل لوجدناهم من زبانية «التلاعب» ومن سدنة «الحيل».
نحن بحاجة إلى مرحلة من الاستقصاء «الإنساني» في مجتمعنا تعتمد على «محاسبة» النفس وتتعامد على «أرضية» المنطق لإقامة «الخطوط الحمراء» بين المدانين بالتقصي المذموم والمجني عليهم بالإقصاء الذميم وفتح «الإشارات الخضراء» لكل استقصاء يصنع للإنسان قيمته ويجعله منكبًا على تعديل سلوكه وتغيير مسلكه وصولاً إلى التكامل الحياتي الموضوعي القائم على قواعد شرعية ومناهج دينية وجهت بمنع مثل هذه التصرفات والحد من هذه السلوكيات.
كم أتمنى أن يمارس الاستقصاء في اتجاه عمق يطهر «الأنفس» من ضلال «الفضول» ويبرئ «الأرواح» من شعوذة «الوهم» لاكتشاف مكامن الخلل واستكشاف مواطن الغل ثم ممارسته في أفق يوجه الشخص إلى «النفع» وينزع من مخيلته ومن نيته التعدي على «مساحات» الآخرين «الخاصة» في حياتهم وأعمالهم ومهامهم وأفعالهم.