د. محمد بن عبدالله آل عمرو
بلغ إجمالي الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى بحسب التقرير البياني الشهري لوزارة العدل في شهر جمادى الأولى سنة 1441هـ (69.005) شكلت نسبة الدعاوى في القضايا العامة نسبة 98 %، وفي قضايا الأحول الشخصية شكلت نسبة الدعاوى 36 %، بينما في القضايا الجزائية شكلت نسبة قضايا الحق الخاص 19 %.
ومن المتوقّع أن يكون للقضايا التي أساسها وباعثها أو ما يحول دون التصالح حولها قبل أو أثناء إقامة الدعاوى هو ما يتفوَّه به الناس بألسنتهم من كلمات وعبارات غير مناسبة وخارجة عن سياق الحصافة وحفظ اللسان من الزلل في الأعراض والحقوق النصيب الوافر من هذه الإحصاءات القضائية، فاللسان إما أن يكون مصدراً للخير كقول الحق من ذكر الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاعتراف بحقوق الآخرين، والعفو والتسامح وإصلاح ذات البين ونحو ذلك، وإما أن يكون مصدراً للشر كقول الباطل من الشرك والعقوق وقطيعة الرحم والغيبة والنميمة والسب والشتم والكذب، وإنكار الحقوق، والتحريش بين الناس ونحو ذلك. ولذلك جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي صححه الألباني والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حديث الوصية: كف عليك هذا وأشار إلى لسانه. قال معاذ: قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم. والحقيقة أن ما ينطق به اللسان يعد أساساً في بناء العلاقات الإنسانية أو هدمها، والإنسان كما قيل مخبوء تحت لسانه فمن كلامه تستبين حكمته ورجاحة عقله، أو سفاهته وخفة عقله، وإن كان صغير السن يعذر أحياناً لسقطات لسانه لما يرجى من إدراكه لمحاسن الكلام ومساوئه عند كبره، فإن كبير السن مأخوذ بما يقول. قال زهير بن أبي سلمى في معلقته:
وكاء ترى من صامتٍ لك مُعجِبٍ
زيادته أو نقصه في التكلّمِ
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدمِ
وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده
وإن الفتى بعد السفاهة يحلمِ
وقد جاء في كتب الأدب قصص كثيرة عن الشعراء الذين قتلهم شعرهم حينما افتقد للحكمة والحصافة والمصانعة ومراعاة الظروف والأحوال، منهم الفتى الشاعر طرفة بن العبد البكري صاحب المعلّقة الذي اشتهر بحدة ذكائه وقوة شعره، وسلاطة لسانه حتى إنه استخف يوماً بخاله الشاعر المتلمس وأضحك القوم عليه، فقال المتلمس: ويل لهذا الفتى من لسانه، وقد صحت مقولته فيه، فقد هجا طرفة ابن عمه زوج أخته عبد بن عمرو بن بشر، الذي كان من ندماء ملك الحيرة عمرو بن هند بقوله:
ولا خير فيه غير أن له غِنىً
وإن له كشحاً إذا قام أهضما (أي رقيقا)
ثم تشبب بأخت عمرو بن هند حينما أطلت وهو يشرب في مجلسه بقوله:
ألا يا ثاني الظبي الـ
ذي يبرق شنفاه (الشنفان موضع القرط في الإذن)
ولولا الملك القاعد
قد ألثمني فاه
ثم هجا الملكَ عمرو بن هند نفسه بقوله:
فليت لنا مكان الملك عمرو
رغوثاً حول قبتنا تخور (الرغوث الناقة المرضعة)
فكان شعره ذلك سبباً في قتله بأمر عمرو بن هند على يد عامله في البحرين (الأحساء) وعمره ست وعشرون سنة.
و من أولئك الشعراء الذين قتلهم شعرهم المتنبي، وبشار بن برد، وابن الرومي، ووضاح اليمن، وغيرهم كثير.
خاتمة للإمام الشافعي:
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنَّك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان