يوسف بن محمد العتيق
ألف الأستاذ سعد الشبانات قبل أكثر من عقدين ونصف العقد كتابه الصمان للحديث عن هذه الصحراء التي تزين بلادنا الغالية، ووجد هذا الكتاب قبولا كبيرا عند عشاق الصحراء ومحبي البلدان ومتذوقي المعالم الطبيعية كيف لا والصمان معشوقة الرحالة والمستكشفين والأدباء والشعراء وكل قد خطب ودها بحديث أوكتاب أو أبيات شعرية.
يقول الشبانات: وبعد نشر الجزأين الأول والثاني من الكتاب بمدة ليست بالطويلة رن جرس الهاتف المحمول علي برقم غريب، وإذا به أحد موظفي مكتب علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- ويقول: إن الشيخ يريدك أن تأتيه هذا المساء، وتحديدا في الساعة الثامنة، يقول الشبانات: ولم يأت في بالي سوى شيء واحد وهو أن الشيخ الجاسر طلبني لتوبيخي أو تأنيبي على شيء في الكتاب، ومع أني واثق في نفسي وفي كتابي، لكن هذا ما جاء في بالي!
وبالفعل ذهبت إلى الشيخ في الموعد المحدد، وأنا مستعد لسماع كلمات توجيهية من الشيخ في التأليف أو بيان أخطاء وقعت فيها في الكتاب.
دخلت على الشيخ في مكتبته داخل منزله (والحديث للشبانات) فوجدت الشيخ متوسطا تلالا من الكتب والأوراق، وما إن جلست، حتى قال لي اقترب، ثم اقتربت، وطلب مني ثانية أن أقترب، وبادرني بسؤال :لو قدمت لك وجبة طيبة، وعليها ذباب، فماذا سيكون موقفك؟
فرددت عليه فورا بأني سأتقزز منها، فكان تعقيب الشيخ، بأن هذا ما أردت أن أوصله لك، وهو أن كتابك يا سعد عن الصمان كتاب مليء بالمادة، وكنت أتمنى لو وقفت عليها أثناء إعدادي لبعض بحوثي عن شرق الجزيرة العربية لاختصر علي الكثير (والكلام لا زال للجاسر) ولكن الكتاب شوه من جماله وقوع أخطاء في اللغة العربية لو لم تكن موجودة لكانت الفائدة من الكتاب أكثر بحول الله.
وسأل الجاسر ابنه سعد الشبانات عن تحصيله في اللغة العربية، فكان رد الشبانات بأنه تلقى تعليمه في اللغة العربية ضمن الدراسة التقليدية في مراحل التعليم العام!
وهنا بادر الشيخ حمد الجاسر بمقترح أو طلب للشبانات بأن يتعاونا في الجزأين الثالث والرابع من الكتاب وهما ما ينوي سعد عمله بحول الله، فكان رد الشبانات سريعا بأن هذا شرف لي، فقال الجاسر على بركة الله نبدأ من غد الساعة الثامنة!!
يقل الشبانات: ولم أنتظر سوى دقائق حتى أخذت إجازة من عملي لأتفرغ للنهل من مدرسة حمد الجاسر حيث كنا نلتقي يوميا في الساعة الثامنة، وهو يقرأ الكتاب ويوجهني في بعض مواضع الكتاب من خبرته الطويلة، وجلسنا على هذا الحال أسبوعين كاملين!
واستمروا على هذا الحال عدة أيام، لكن اللافت أن كل يوم تزيد ساعات جلسة النقاش والمناقشة، حتى بدأت تصل إلى منتصف الليل وقد تزيد!
أخي القارئ الكريم، حتى هذه اللحظة لم يأت الشاهد من سرد هذه القصة لك!...
الشاهد هو درس كبير من أحد الكبار، وهو حين مر الشيخ الجاسر في مواقع من كتاب الصمان يخطئ فيها الشبانات شيخه الجاسر، يقول الشبانات: أن الجاسر يقرأ كلامي في الرد عليه، ويناقشني فيه، وحين قلت: هل تريد حذفه أو تعديله؟
كان رد الجاسر حاسما بأن دعه كما كتبته ولا تغير!!
هنا غاب عن الجاسر الهوى والانتصار للنفس، ولم يطلب لو تخفيف حدة النقد له، بل زاد الجاسر على ذلك بأن كتبا مقدمة لهذا الكتاب، وقال في هذه المقدمة أن هذا الكتاب لو اطلعت عليها سابقا لاختصر علي الكثير!.. بل وكتب مقالا مطولا عن الكتاب وكاتبه ونشرها في المجلة العربية!
هذا هو الدرس: ثقة الكبار في نفسهم!.... وتشجيع الشباب، وعدم الخوف منهم من أن ينازعوك مكانك أو مكانتك، بل سيحفظ لك التاريخ أنك دعمتهم!