عبدالعزيز السماري
من أجل أن نرى مختلف أوجه الصراع في حياتنا اليومية بصورة أوضح علينا أن نحاول رصد تطور الحقيقة وأوجهها في تاريخ العلم والمعرفة والتاريخ في صراعها مع الأيديولوجية، التي كانت -وما زالت- أقرب للحجاب الذي يضعه المرء ضد وهج شمس الحقيقة. والمكتبة العالمية من مختلف الثقافات ترصد منذ البدء في مجلدات لا حصر لها الصراع بين الحقيقة والأيديولوجية.
الانتصار عبر مراحل التاريخ السابقة يعود إلى الأيديولوجية؛ فاللجوء إليها يسهل الأمر في مخاطبة العقول، بينما تبدد الحقيقة كثافة التجمعات الإنسانية المبنية على فكرة أو موقف أو عرق أو طائفة. وما يثير الاهتمام أن الناس يحملون في عقلوهم كثيرًا من المعتقدات الخاطئة، لكن الأكثر تشويقًا هو كيف يتشبث الناس بأفكارهم المؤدلجة بالرغم من أنهم تعلموا أنها غير مدعومة بالحقائق، وأنها أقرب للسياج الذي يدور حول عقولهم..
الأيدولوجية تجعل الإنسان في موقف «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» بمفهومها الجاهلي، وتقوم على بناء هرمي للمصالح. ومن أكبر ضحاياها الموضوعية واحترام المهنية؛ فالحوار يتحول إلى حوار الطرشان، ويتحول إلى معادلة عبّر عنها عن الطيب المتنبي بأفضل بيان؛ إذ «لا يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل»..
تعلمنا من كورونا حقائق مذهلة، منها أن الوطن يجب أن يكون أعلى من علاقات أيديولوجية أخرى، كما يجب أن يتسامى عن تصنيفات المؤدلج للناس إما طيبًا أو خبيثًا، الذي يتغير كلما اجتمعت الأيديولوجيا على مصالح جديدة؛ ولذلك ربما من أجل أن نتجاوز هذا الوباء يجب أن نتفق على مبدأ الوطن يأتي دومًا أولاً..
يبدو أننا في الطريق إلى حيثما وصل الغرب؛ فالمصالح في بعض دول الغرب تقودها فئات ضد فئات، ولو كانت الضحية هي الحقيقة والمرضى. الدليل ما يحدث من تلاعب بالأبحاث العلمية من أجل إسقاط دواء من أجل آخر، وبعد سقوط دراستين في أشهر مجلتين عمليتين تبعثرت مرجعيات الحقيقة العلمية في الطب وعالم الأدوية، وبدأت مرحلة التيه التي لم تطل في الوصول إلى استقلال العلم عن المصالح الشخصية والأيديولوجية..
قد نفقد ضحايا عديدين بسبب الصراع بين تيارين، أحدهما يلقي باللائمة على سلوكيات الناس، بينما التيار الآخر يحدد أن الدخول في سياسات الأدوية ومصالحها قد يدفع بالضحايا إلى أرقام أعلى. وبعد تغيير القرار هل سيكتفي من كان ضده بالوقوف على الحياد؟.. لا أعلم، ولكن سنرى..
أعتقد لو حدث نقص في الأدوية، وتأخير في أدوات الفحص للمرض، فلن يمر مرور الكرام في دولة تبحث عن الطريق الأسرع للوصول إلى ما كان عليه الأمر قبل الوباء. تكاتفوا من أجل هذا الوطن، الذي كان له الفضل -بعد الله- فيما وصلنا إليه من تقدُّم وتطوُّر..
لعلي في ثقة أكبر مما مضى فأقول إن الموضوعية والحقيقة سينتصران في مواجهة الأيديولوجيا، التي ستخسر لسبب واحد، هو زيادة الوعي العلمي بين الناس؛ فالجيل الجديد يجب أن يتعلم أدوات الموضوعية، والنظر إلى الأشياء بموازين علمية، وأن لا يلتفت إلى مصالح الأيديولوجيا وعلاقاتها المريبة، لكن السؤال: لماذا تستمر مثل هذه العقليات في اتخاذ أخطر القرارات في أكثر مرحلة حرجة..؟