عمر إبراهيم الرشيد
لكل أمة ذاكرة، تحفظ تاريخها وتراثها وثقافتها، وبدون هذه الذاكرة لن يكون للمجتمع هوية تميزه ويفخر بها بين الشعوب. ومن بين ما يختزنه الأرشيف الوطني الذاكرة الإعلامية بوسائلها المختلفة، من صحافة وإذاعة وتلفزيون. جميل بل ضروري ما أقدم عليه التلفزيون السعودي بإطلاق قناة (ذكريات) التي طال انتظار الجمهور لها؛ فكل تلفزيونات الخليج تقريبًا سبقتنا إلى هذه الخطوة، وسبق أن كتبتُ هنا أكثر من مرة عن هذا الموضوع بالذات. وأذكر أن أرشيف التلفزيون يمتد إلى ثلاثمئة ألف ساعة مسجلة، وهو الأضخم على ما أظن عربيًّا بعد التلفزيون المصري. وللتذكير فإن الأرشيف الإعلامي، ومنه التلفزيوني، يعد توثيقًا اجتماعيًّا وثقافيًّا وتاريخيًّا للوطن والمجتمع على اختلاف المواد وتنوعها، وليس بثه لمجرد العرض والتسلية، بل يضاف إليهما عرض أنماط التفكير الاجتماعي وثقافة الناس وميولهم قبل أكثر من خمسين عامًا، هي عمر البث التلفزيوني الرسمي (1385- 1965). وإن كانت شركة أرامكو هي السابقة عبر قناة الظهران (1957)، وذلك عبر البرامج والمسلسلات بل حتى الأغاني القديمة أو الأصيلة بتعبير أجمل. يضاف إلى ذلك البرامج الوثائقية والتقارير والأخبار. كنت قد كتبت أيضًا عما ذكره أكثر من إعلامي من المخضرمين، منهم المذيع المتألق سبأ باهبري، بأن كثيرًا من المواد قد لحقها التلف نتيجة سوء الحفظ، ونأمل أن تكون وزارة الإعلام وببثها لقناة ذكريات قد أعادت الحياة إلى هذا الأرشيف الوطني، واتخذت كل ما يساعدها على الحفاظ على السليم منه. وكما قلت، أطلت هذه القناة لتنعش ذاكرة جيلين أو أكثر، عاشوا بدايات التلفزيون مرورًا بالسبعينيات الميلادية، وهي الفترة التي شهدت انطلاقة واعدة للدراما والبرامج السعودية على تنوعها، رغم تراجع الدراما والمسرح في الثمانينيات وما بعدها. إنما -كما قلت- هو أرشيف إعلامي يدغدغ الذاكرة الوطنية، ويعرض حقبة من عمر المملكة، لم يشهدها الجيل الحالي. ومن هنا تأتي أيضًا أهمية هذه القناة.
وبلا شك إن القناة في بداياتها، وهي لم تكمل بعد شهرها الثالث، ولا بد من بعض النواقص والأخطاء والصبر عليها. وقد لاحظت خلال متابعتي لها خلال الشهر الفضيل حتى الآن طريقة عرض البرامج والمسلسلات والدعاية لها في الفواصل وبين مادة وأخرى، بل تعرض لقطات دعائية لبرنامج تم عرضه قبل الدعاية له مباشرة، وهي طريقة القنوات الفضائية التجارية بالتكرار الفج والممل حقيقة؛ إذ من يتابع هذه القناة -وهم من يتجاوزون الثلاثين من عمرهم- في الغالب لا يحتاجون إلى هذه الطريقة، بل حتى من هم دون هذه السن أصبحوا يمقتونها في الفضائيات العربية. فوددت أن تراعي إدارة القناة أنها ليست قناة تجارية حتى تلجأ إلى هذا الأسلوب في العرض والترويج لبرامجها. ولاحظت كذلك قلة بث المواد غير الملونة من مسلسلات وأغانٍ، ولدى التلفزيون السعودي منها سِجل جيد، وخصوصًا لفنانين اعتزلوا أو رحلوا، وهو ما يمكّن القناة من التنويع أكثر في موادها. كما أنه من الجميل والمميز أيضًا لهذه القناة العزيزة أن تضع التواريخ التي عُرضت فيها البرامج التي تعيد بثها؛ فهذه الطريقة تمكّن المشاهدين والمتابعين من الإحاطة أكثر بالمادة المقدمة، بل إدراك الفترة التي عرضت فيها وما تثيره من شجون وذكريات.
هذه ملاحظات محب، أعادته هذه القناة الجميلة إلى السنين الخوالي. قناة وطنية عزيزة، نفضت الغبار عن أرشيف الوطن الإعلامي الجميل. إلى اللقاء.